حلف الفُضول الجديد

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في الذكرى الخامسة لتوقيع ميثاق حلف الفضول الجديد، ضمن أشغال الملتقى السادس لمنتدى أبوظبي للسلم، سنة 2019، في عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة، أبوظبي، كان لزاما استحضار هذا الملتقى المتميز الذي شكل فرصة لمناقشة حلف مؤسس على القيم الدينية والإنسانية المشتركة، قادر على الإسهام في تخفيف حدة المعاناة التي تعيشها الإنسانية اليوم، وفي إطلاق مبادرات واسعة النطاق لتعزيز التعايش والتضامن والمحبة بين البشر على اختلاف أعراقهم وأديانهم ومشاربهم الفكرية.

أسَّسَ ميثاق حلف الفضول الجديد لتعاقد دولي يقوم على أُسُس أخلاقية وقِيمية تقطع مع الممارسات القروسطية، لينتقل ببراديغم السلم، كما أسس لبناته معالي العلامة عبد الله بن بيه، من الإمكان القيمي إلى الإلزام الأخلاقي والقانوني.

لقد أعلنت مؤسسة حلف الفضول الجديد، عن تشكيل فريق للوساطات والمصالحات مهمته التفاعل مع الأحداث التي يمكن للدبلوماسية الدينية أن تسهم فيها بدور إيجابي، في الاجتماع الذي عقدته المؤسسة في الرباط يومي 3 و4 غشت بدعوة من معالي العلامة عبدالله بن بيّه، رئيس منتدى أبوظبي للسلم، والذي تدارس المجتمعون خلاله عدداً من القضايا المتعلقة بجهود تعزيز السلم والتعايش حول العالم، ومن ضمنها تكوين فريق للمصالحات والوساطات، وكذلك الدعوة إلى احترام المقدسات والرموز الدينية.

ووقع حلف الفضول الجديد برئاسة وليام فندلي، رئيس مجلس الإدارة، والمؤتمر العالمي للحريات الدينية والسيناتور سام براونباك، عضو مجلس الشيوخ والسفير السابق للحريات الدينية بوزارة الخارجية الأمريكية، في نونبر 2023 بواشنطن، مذكرة تعاون أصبح بمقتضاها تلتلعبفعحلف الفضول الجديد شريكا رئيسا لـ”المؤتمر العالمي”، والتي تعدّ خطوة تاريخية غير مسبوقة، تعزّز الجهود الدولية في حماية الحريات الدينية، والإقناع بمبادئ التعايش السعيد، وتحقيق السلام العالمي المنشود.

إن حلف الفضول الجديد يعكس محاولة جادة لإعادة تعريف العلاقة بين الأخلاق والقانون، في سياق دولي تتزايد فيه التحديات الإنسانية والأخلاقية؛ فهو يستلهم القيم الفطرية والدينية الراسخة التي تؤكد على الكرامة الإنسانية والعدل والتسامح، ويدعو إلى تحويل هذه القيم من مفاهيم إلى قواعد منظمة تساهم في ضبط العلاقات بين الأفراد والمجتمعات والدول.

يقدم الميثاق رؤية شمولية حكيمة تعيد ربط الأخلاق بالديناميات القانونية والسياسية، متجاوزا الخطابات التقليدية التي اعتادت على فصل القيم عن الممارسات الواقعية. وإن تأسيسه على مرجعيات تاريخية ودينية وإنسانية متعددة يعكس طموحا نبيلا لتكوين توافق دولي جديد، مبني على الفهم المشترك لقيم السلم والتعايش، ينبذ الحروب والاقتتال.

لا يتوقف حلف الفضول الجديد عند استحضار القيم، بل يسعى إلى خلق فضاءات جديدة للحوار والتفاهم وللتفاعل البشري، قادرة على التصدي للأزمات العالمية المعقدة؛ فهو يعيد تشكيل خطاب التعايش الإنساني على أسس قوامها المسؤولية الأخلاقية والاعتراف بالآخر، ما يجعله دعوة مفتوحة إلى إعادة التفكير في التنظير للعلاقات الدولية، بمنظور السلم وتعزيز الكرامة الإنسانية.

إننا أمام نداء إنساني ينادي بضرورة العودة إلى القيم الفطرية، وجعلها ركيزة لإعادة بناء العالم المعاصر، يستند إلى فهم عميق للعلاقة بين الأخلاق والممارسات القانونية، يؤكد أن السلم العالمي لا يمكن أن يتحقق إلا باحترام الاختلاف والتعددية.

إن تحقيق أهداف هذا الميثاق يتطلب التزاما جماعيا لتجاوز التحديات، والتركيز على بناء وعي إنساني مشترك قادر على تحويل هذه القيم إلى سلوك مؤطر.

لقد أكد ميثاق حلف الفضول الجديد على الدور الهام الذي يلعبه القادة الدينيون في نشر السكينة وبناء السلم من خلال التنسيق بين معتنقي الأديان، والتصدي للتطرف والفكر العنيف وخطابات التحريض والكراهية، وانتهاج مقاربة تصالحية دينية لترسيخ التسامح بشتى أبعاده.

وتنص بنود ميثاق حلف الفضول الجديد على ضرورة احترام مبادئ الكرامة الإنسانية وحرية الاختيار وحرية التدين والتسامح والعدالة والسلم والرحمة والبر بالآخرين، والوفاء بالعهود والمواثيق والتضامن. لتجيب هذه المبادئ والقواعد عن الأسئلة الحارقة المطروحة على الواقع الدولي، من قبيل استباحة الدماء وارتكاب مجازر وحشية، يحاول أصحابها إلباسها لبوسا دينيا.

إن الانتقال بقواعد ميثاق حلف الفضول الجديد من الإمكان إلى الإلزام رهين بتكوين قناعة دولية راسخة، بأهمية تعزيز ثقافة السلم والتسامح، بآليات تربوية وتثقيفية، تستثمر في الأجيال المقبلة، وجهود من أولي بقية، كما يسميهم العلامة بن بيه، يدافعون عن السلم والتسامح؛ ولا حديث عن هذه الجهود دون استحضار مبادرات دولة الإمارات العربية المتحدة والتي خصصت للتسامح عاما من التحسيس والتوعية والدراسات والندوات، تخلله الاستقبال الكبير الذي حظي به قداسة البابا فرنسيس، وإصدار وثيقة الأخوة الإنسانية؛ كذلك جهود المملكة المغربية في ترسيخ ثقافة التسامح والسلم، من خلال الاستقبال البهيج الذي خص به أميرُ المؤمنين جلالة الملك محمد السادس نصره الله قداسةَ البابا فرانسيس، والذي أشاد بالأهمية البالغة لوثيقة مراكش الصادرة عن منتدى أبوظبي للسلم.

لقد قدم الميثاق الوسائل والسبل الكفيلة بتحويل “براديغم السلم” إلى منطلق تفكير عالمي مشترك، من خلال تطرق الفصل الخامس منه إلى المجالات والوسائل، التي تمكن حلف الفضول الجديد من أن يسهم في تدبير الشأن الإنساني في الكثير من المجالات، كالعائلة والتعليم والعمل المدني، وكلها مجالات تدخل ضمن آليات التنشئة الاجتماعية، والتي تؤثر في تشكيل الوعي الجماعي، إضافة إلى الإعلام الذي يملك القدرة على توجيه وتأطير الرأي العام.

ولعل نقاش الإلزام في القانون الدولي قد تجاوز قواعد الزجر والعقاب والسلطة العامة، إلى بناء الوعي المشترك والاستعانة بالوسائل التربوية للانتقال بقواعده إلى الالتزام الأخلاقي، وقد يكون أنجع من القوة والعقاب، فتحقيق السلم العالمي يحتاج ألسنا بُلغا لنشر مبادئه والتحسيس بأهميته وأيدٍ فصاح تستأصل العنف والتطرف والغلو، فكرا وممارسة، مهما كان مصدره.

ويتجه البناء النظري المؤطر للحلف، إلى وضع الأسس الفكرية المعرفية للإجابة عن الأسئلة الحارقة، الملهبة لنظريات العلاقات الدولية، خصوصا تلك التي وجهت السياسة الدولية نحو صدام الحضارات والواقعية النفعية والبحث عن الهيمنة بعيدا عن السلم والأمن العالميين، مما يعني أن العالم يستقبل نظرية جديدة في العلاقات الدولية، تحفظ إنسانية الإنسان، وقد تجد لها مقعد صدق بين النظريات المؤطرة لهذا العلم، وهي “نظرية تعزيز السلم “.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق