في الثالث من شهر دجنبر من كل سنة يحتفل العالم باليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة والذي يهدف إلى زيادة الوعي بحقوق هؤلاء الأشخاص وتحدياتهم، ودعم جهود دمجهم في المجتمع. كما يسعى هذا اليوم إلى تغيير النظرة السلبية تجاه الإعاقة وتشجيع تقبل الاختلاف، فمن خلال الاحتفال بهذا اليوم، يسعى العالم لبناء عالم أكثر شمولية وإنسانية، بالمغرب تميز الاحتفال هذه السنة بقلق شديد حمله بلاغ مشترك بين المرصد المغربي للتربية الدامجة، الاتحاد المغربي للجمعيات العاملة في مجال الإعاقة الذهنية، المنظمة المغربية لحقوق النساء ذوات الإعاقة، والجامعة الوطنية للعاملات والعاملين الاجتماعيين، الذي أعربوا فيه عن قلقهم البالغ إزاء ضعف إعمال حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة.
مشيرين إلى أن هذا القلق يتماشى مع ما أكدته تقارير المؤسسات الوطنية وقد ركز البلاغ في مقدمته على التأخر الكبير في تنفيذ هذه الحقوق حيث دعا القطاعات الحكومية إلى استدراك هذا التأخر في ما تبقى من الولاية الحكومية الحالية، وذلك عبر استكمال المنظومة القانونية والتنظيمية والإشارة إلى عدم دخول القانون الإطار 97.13 لحماية حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة حيز التنفيذ نتيجة تأخر إصدار نصوصه التطبيقية.
والحقيقة أن قلق جمعيات المجتمع المدني مشروع وواقعي إذ أن أبرز التحديات التي يواجهها الأشخاص ذوو الإعاقة في الحصول على حقوقهم، خاصة في ضوء القوانين والسياسات الموجودة، هو التفعيل على أرض الواقع والعمل بوتيرة معقولة في ذلك بإصدار نصوص المراسيم التطبيقية لقوانين (مع وقف التنفيذ) تحسب للترسانة التشريعية الوطنية دون أن تكون فعليا تقوم بدورها في حماية حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة بدء بقانون الإطار رقم 97.13، الذي يعتبر إطارا تشريعيا مهما في المغرب يهدف إلى حماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وضمان اندماجهم في المجتمع فهو يمثل خطوة كبيرة نحو تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية للأشخاص ذوي الإعاقة، ولكنه يواجه تحديات كبيرة في تطبيقه، فإذا كان يهدف إلى حماية الحقوق الأساسية للأشخاص ذوي الإعاقة، بما في ذلك الحق في التعليم، والعمل، والصحة، والوصول إلى الخدمات العامة ومكافحة التمييز بالقضاء على جميع أشكال التمييز ضد الأشخاص ذوي الإعاقة في جميع مجالات الحياة، وتعزيز اندماج الأشخاص ذوي الإعاقة في المجتمع، من خلال توفير الفرص المتساوية لهم وتطوير البنية التحتية لتكون متاحة للجميع.
وقد تتعدد أسباب التأخر في التطبيق والتي في نظرنا يشكل العامل الأساس فيها هو الإرادة السياسية للفاعل الحكومي المتناوب على القطاع، الشيء الذي يسائل دور الحركة الحقوقية للأشخاص في وضعية إعاقة ببلدنا وعملها على حث الحكومات على بدل المزيد من الجهود وإبداء قدر أكثر من تحمل المسؤولية، ولعل ضمن هذه الأسباب النقص في الوعي بأحكام القانون لدى الجمهور العام والمؤسسات المعنية وضمنها جزء كبير من جمعيات المجتمع المدني العاملة في مجال الإعاقة والتي انصرفت للأسف الى أدوار خدماتية وابتعدت عن الدور الترافعي والتعاون مع الفاعل السياسي لإعمال الحقوق بل إن بعضها اصطف الى جانب المقاومة الثقافية والأفكار والممارسات التقليدية التي تميز ضد الأشخاص ذوي الإعاقة ومقاومة أي تغيير.
ما يتطلب جهدًا مستمرًا من قبل جميع الأطراف المعنية من الحكومة والمؤسسات المدنية والمجتمع المدني العمل معًا لتذليل العقبات وتوفير الموارد اللازمة لضمان تطبيق هذا القانون بشكل كامل وفعال.
ينضاف إلى ذلك ما تعهد به المغرب بتوقيعه ومصادقته على الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، بضرورة مراجعة القوانين والمراسيم الموجودة لضمان تناسقها مع الاتفاقيات الدولية وحقوق الإنسان.
فرغم وجود قوانين مثل القانون الإطار رقم 97.13، إلا أن هناك حاجة ملحة لتعديل النصوص القانونية لعدة أسباب منها تطور المفاهيم المتعلقة بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة على الصعيد الدولي، وتصدر اتفاقيات ومعاهدات جديدة تحدد معايير أعلى لحماية هذه الحقوق. يجب أن تتلاءم التشريعات الوطنية مع هذه التطورات لضمان حماية شاملة للأشخاص ذوي الإعاقة.
إذ غالبًا ما توجد ثغرات في التشريعات القائمة، مما يؤدي إلى تباين في تفسير وتطبيق القوانين، وقد يستغل البعض هذه الثغرات لانتهاك حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.
كما أن المجتمعات تتغير باستمرار، وتتطلب هذه التغييرات مراجعة القوانين لضمان تكيفها مع الظروف الجديدة وتلبيتها احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة بشكل أفضل.
كما أن الخبرات المكتسبة من خلال تطبيق القوانين الحالية، حول التحديات التي تواجه الأشخاص ذوي الإعاقة، مما يستدعي تعديل بعض النصوص القانونية لمعالجة هذه التحديات بشكل أكثر فعالية.
ويمكن على سبيل المثال لا الحصر سرد بعض التعديلات الاستدراكية المطلوبة:
توسيع نطاق الحقوق: يمكن توسيع نطاق الحقوق الممنوحة للأشخاص ذوي الإعاقة ليشمل مجالات جديدة، مثل الحق في المشاركة السياسية والحق في الحياة الثقافية.
تحديد آليات تنفيذ أكثر فعالية: يمكن تحديد آليات تنفيذ أكثر وضوحًا لضمان تطبيق القوانين على أرض الواقع.
تعزيز دور المؤسسات: يمكن تعزيز دور المؤسسات الحكومية والمنظمات المدنية في حماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.
توفير الموارد الكافية: يجب توفير الموارد المالية والبشرية الكافية لتنفيذ القوانين بشكل فعال.
وتجدر الإشارة إلى أن تعديل النصوص القانونية أمر في غاية الضرورة لضمان حماية شاملة وحقيقية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وللبناء على المكتسبات التي تحققت حتى الآن.
كما أن تأخر تطبيق القوانين التي تحمي حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في المغرب يمثل إهدارا لقدرات بشرية هائلة. فكل فرد منا له دور يلعبه في بناء مجتمع أكثر شمولية. دعونا نعمل جميعا، من صناع القرار إلى المواطن العادي، من أجل ضمان حصول الأشخاص ذوي الإعاقة على حقوقهم كاملة، وتوفير بيئة مناسبة لاندماجهم في المجتمع. إننا مقتنعون بأن مجتمعا يضمن حقوق جميع أفراده هو مجتمع أقوى وأكثر ازدهارا.
0 تعليق