اللبنانيون يجنون الزيتون رغم الحرب

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في ظلّ شجرة الزيتون وأزيز الطائرات الحربية، يجمع أسعد التقي حبوب الزيتون مع مجموعة من العمال في إحدى قرى جنوب لبنان، متحدّين الخطر المحدق بهم بسبب التصعيد المتواصل بين حزب الله وإسرائيل.

تظهر في الأفق سحابة دخان ناجمة عن قصف إحدى القرى الحدودية مع إسرائيل، لكن أسعد وزملاءه يواصلون القطاف بابتسامة في حقل الزيتون العائد لأحد سكّان قرية الكفير الواقعة في منطقة حاصبيا في جنوب لبنان وتبعد حوالي تسعة كيلومترات عن الجولان السوري المحتل.

يقول أسعد (51 عاما) فيما وقف في ظلّ شجرة يجمع حبوبها: “نحن نعمل هنا في منطقة الكفير القريبة من القصف”، لكن “لست خائفا من القذيفة (…) إن وجودنا هنا تحدّ للقصف”.

ويؤكّد الرجل الذي لوّحت الشمس وجهه: “سنبقى مستمرين”، فهو يرى أن “الزيتون أفضل ثمرة وشجرة سلام”.

بعصا خشبية، يهزّ أسعد إلى جانب العمّال والعاملات الشجرة لتتساقط منها الحبوب على كيس من الخيش، مختلطة بأوراقها.

يتظلّل العمال بغصون الأشجار عند استراحة الغداء جالسين على الصخور الوعرة التي تتكوّن منها أرض هذه القرية المرتفعة نحو 900 متر عن سطح البحر، وتقع على سفح جبل الشيخ عند مثلّث الحدود اللبنانية والسورية والجولان المحتلّ.

تقول حسنا حمّاد (48 عاما) العاملة مع أسعد في قطاف الزيتون: “لا نشعر بالخوف، اعتدنا على الأمر، وصامدون (…) بل نخاف على إخوتنا المتضررين من الحرب”، مضيفة أن هذا العمل “يشكّل مصدر رزق لنا” رغم التحديات.

وهم من قلّة محظوظين في الجنوب تمكّنوا من قطف موسم الزيتون هذا العام، فالقرية ذات الغالبية المسيحية والدرزية بمنأى حتى الآن عن نيران الحرب بشكل مباشر، على الرغم من تكثيف إسرائيل لقصف مناطق واسعة في جنوب لبنان وشرقه منذ 23 شتنبر، وبدئها عملية برية في 30 منه.

منعت المعارك والقصف الكثير من السكان من العودة إلى قرى أخرى في جنوب لبنان تعرّضت لدمار كبير، فالكثير من البلدات هجرها أهلها ولم يعد لأراضيها من يحصدها.

ويقدّر البنك الدولي دمار “نسبة 12% من بساتين الزيتون” في المناطق المعرضة للقصف في جنوب البلاد وشرقه.

لذلك، توقع البنك الدولي، في تقرير نشر الخميس، أن “يؤدي تعطيل حصاد الزيتون بسبب القصف والنزوح إلى خسائر تبلغ 58 مليون دولار أميركي”.

تأثير الحرب

في الكفير، تتوزّع أشجار الزيتون في كلّ مكان حتى الأفق حيث يظهر جبل الشيخ الذي لم يغطّ الثلج قممه بعد.

قرب كلّ حقل، سيارة أو سيارتان تؤشر بوجود العمّال أو أصحاب أرض يعملون على قطف الزيتون في هذا الموسم.

في نهاية يوم العمل الذي غالبا ما يتخلله خرق الطائرات الحربية الإسرائيلية لجدار صوت، يرفع العمّال أكياس الزيتون على ظهورهم، ويحمّلونها على شاحنات استعدادا لنقلها من أجل تخزينها أو عصرها وتحويلها إلى زيت.

وبينما يحصد كثر محاصيلهم بأيديهم، يخاف آخرون أن يأتوا إلى القرية، ما أثّر بشكل غير مباشر على عمل سليم كساب (50 عاما)، صاحب معصرة زيتون تقليدية في الكفير.

يقول الرجل وهو يقف داخل المعصرة التي ورثها عن والده، إن “العديد من الناس لم يأتوا بأنفسهم لحصد الزيتون” هذا العام، “بل أحضروا عمالا ليقطفوا عنهم” من خارج القرية، “هؤلاء يعصرون الزيتون خارج القرية أيضا”، وفق كساب، ما أثّر سلبا على عمله.

ويضيف كساب الذي جاء إلى القرية وحيدا هذا الموسم من دون زوجته وأولاده خشية من مخاطر الحرب: “هناك خوف من الحرب طبعا، ليس لدى الجميع الجرأة للقدوم إلى هنا”.

داخل البناء الحجري القديم في أحد الشوارع الضيقة في القرية، يدأب العمّال على نقل الزيتون من آلة إلى أخرى لهرسه وعصره وتحويله إلى زيت.

يأتي صاحب محصول مع مطرات زرقاء كبيرة لجمع الزيت والاطمئنان على سير العمل.

قبل الحرب، كان يصلّح كساب آلات العصر في منطقة النبطية أو صيدا في جنوب لبنان، لكن الوصول إلى تلك المناطق بات مستحيلا حاليا بسبب القصف، وينبغي البحث عن حلول في مناطق أخرى.

لذلك، يضيف كساب، “يحتاج إصلاح أي عطل ثلاثة إلى أربعة أيام بدل يوم واحد”.

محبة الزيتون

في جنوب لبنان وشرقه، تسببت الحرب في “حرق مساحات واسعة من الأراضي الزراعية” أو “التخلي عنها”، إلى جانب “فقدان المحاصيل بسبب نزوح المزارعين من الجنوب” نتيجة القصف الإسرائيلي، وفق تقرير البنك الدولي.

وتسبّبت الحرب في لبنان في نزوح نحو 900 ألف شخص، وفق أرقام الأمم المتحدة.

بشكل عام، خلال التصعيد المستمر منذ أكثر من عام، بلغت قيمة “الأضرار التي لحقت بقطاع الزراعة حتى تاريخ 27 شتنبر 2024 حوالي 124 مليون دولار”، بحسب البنك الدولي.

لكن في الكفير تشكّل حقول الزيتون مصدر رزق لغالبية سكانها الذين يصفونها بالأشجار “المباركة”.

في أحد أزقة القرية، باب صغير تفوح منه رائحة الزيتون الطازج، وهناك تغسل إنعام أبو رزق (77 عاما) وزوجها الثمار استعدادا لحفظها في قوارير تدوم طوال الشتاء حتى الموسم المقبل، أو تحويلها إلى زيت.

تقطف إنعام الزيتون في قريتها كل عام منذ عقود، وتنظّف المحاصيل وتوضبّها، ولم تشأ أن يكون هذا العام مختلفا.

تقول المرأة: “نخاف طبعا، هناك صوت قصف، وصوت طائرات”، لكننا “نحب شهر الزيتون كثيرا، نستفيد منه (…) فنحن فلاحون وعملنا بالأرض”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق