في كل مرة يغرب فيها عام ويشرق عام جديد تبرز أمامي سنواتي التي انقضت، واقفة في مواجهتي بشعرها المهوش والتجاعيد على وجهها. تتمهل لحظة ساكنة تحدق بي، ثم تمد كفها إلى صدري وتطرق قلبي بأصابعها وحينما تسمع خفق أحلامي يتردد بقوة، تضع يديها في خاصرتها وتهتف بي:" آه يا قلب يا ابن القلب.. أما زلت تحلم؟! ". أقول للسنوات التي عبرت ثم تجسدت أمامي:" إنني شاب. شاب لكن منذ مدة طويلة" فتصيح في بغضب:" لقد مرت علينا الطفولة وانصرم الشباب وأعوام النضج ولم يبق لنا سوى ثمرة أخيرة على شجرة العمر فاهدأ يا قلب يا ابن القلب فلم يعد بوسعك أن تحتمل نزق الأحلام وعنفوانها". قلت للسنوات: " ما زال قلبي يحن إلى الحب والعدل، حلمان كانا عندي عينين يكتمل بهما النظر". تقول لي سنواتي:" ليتك كنت تحلم ببيت على البحر وسيارة فارهة ومال وفير، لكنك لا تحلم إلا بالمستحيل: الحرية والكرامة وامرأة صعبة المنال وبشر يحملون جميعا جواز سفر موحد باسم مواطن كرة أرضية، تحلم بانتصار الفن على الموت والنسيان؟ انتبه إلى سنك الآن يا قلب يا ابن القلب واحلم بالمستطاع". قلت لها: "إنني لا أتوب عن الأمل، ولا عن الحلم بكل ما هو صعب المنال. كنت أمينا على أحلام طفولتي وشبابي، ولم أبدل طريقي، فقط كنت أستريح أحيانا، ثم أتقدم ثانية، يخفت صوتي، لكنه سرعان ما يعلو من جديد، ألزم الصمت، ثم أصيح بحماسة، أتوقف ثم أعاود السير إلى الأمام، لكن عيني كانتا دوما على أحلامي، رغم أن شيئا منها لم يتحقق، لا غمرني حنان المرأة ولا عشت الأيام الجميلة التي ستشرق يوما". قالت لي السنوات بقنوط من يأس مني: " ها أنت يا قلب يا ابن القلب لا تتوب عن أحلام شبابك وهي أكبر منك، ولم يعد بوسعك أن تحملها". قلت للسنوات التي شاب شعرها: "سأظل أرفع قلبي بيدي عاليا، دافئا خفاقا، ألوح به للزمن القادم، لكل الذين لن يعرفوننا، لكي يعلموا أننا كنا هنا ذات يوم، وأننا كنا نشعر بكل شيء، ونتألم من كل شيء، ونحلم بكل شيء، ربما يغفرون لنا أننا لم نستطع، وأننا عشنا مثل جرح تساقطت قطراته على ورق العمر، لكنه جرح لم تلوثه خيانة الأحلام". هزت سنوات عمري كتفيها وتأهبت للانصراف وهي تقول: " قلبك عنيد ولا أمل في شفائه ولا يدرك أنه لم يحقق شيئا من أحلامه". قلت لها قبل أن تختفي: " لم تخرج أحلامي إلى الوجود، لكن وجودي كان من أحلامي. وفي كل مرة يغرب فيها عام ويشرق جديد سأظل ألوح بقلبي عاليا وأهتف بكل ما أتمناه، وسوف يصل صوتي إلى الآخرين، الآن، أو بعد مئة عام، هذا لا يهم، المهم أن غنائي لم يكن هدرا، وأن غنوتي سوف تسري طويلا إلى أن تكون".
إخلاء مسؤولية إن الموقع يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
0 تعليق