تحل في مثلِ هذا اليومِ –السَّابعِ والعشرِينَ منْ ديسمبر 1933م، المُوافِقِ العاشرَ منْ رمضانَ 1376هـ- وُلِدَ الدُّكتور محمود حمدي علي علي علي زقزوق، في قريةِ الضهريَّةِ، التَّابعةِ لمركزِ شربين، بمُحافَظةِ الدَّقهليَّةِ.
من هو الدكتور محمود حمدي زقزوق؟
نَشَأَ في كنفِ أخيه الأكبرِ «المتولي»؛ حيثُ تُوفِّيَ والدُه وهو ابنُ سبعِ سنين، وأتمَّ حفظَ القرآنِ الكريمِ، ثمَّ خيَّرَه أخوه بينَ أنْ يُرسلَه إلى مدرسةِ الزَّرقا الابتدائيَّةِ والمعهدِ الدِّينيِّ بدمياط، فاختارَ المعهدَ الدِّينيَّ، وكانَ مُتفوِّقًا في دراستِه، حريصًا على الانتظامِ في الحُضورِ لجميعِ المشايخِ، وحصلَ على شهادةِ الابتدائيَّةِ عامَ 1950م.
وانتقلَ لمعهدِ طنطا الثَّانويِّ؛ولنبوغِه كانَ يكتبُ مقالاتٍ في صحيفةٍ أسبوعيَّةٍ محدودةِ التَّوزيعِ، اسمُها: «سفينةُ الأخبارِ»، كما أنَّ الدُّكتور زقزوق كانَ يُسجِّلُ مُذكِّراتِه يوميًّا؛ ممَّا يدلُّ على اهتمامِه بالكتابةِ والفكرِ منذُ نعومةِ أظفارِه، وقدْ كانَ أشعريَّ العقيدةِ، حنفيَّ المذهبِ.
حصلَ على شهادةِ الثَّانويَّةِ عامَ 1955، ورحلَ إلى القاهرةِ، والتحقَ بكُلِّيَّةِ اللُّغةِ العربيَّةِ، فدرسَ على يدِ كبارِ مشايخِها، ومنْهم: الدُّكتور محمد البهي، والدُّكتور موسى شاهين لاشين، كما كانَ يرتادُ منتدياتِ القاهرةِ، ويستمعُ إلى أكابرِ الأدباءِ والشُّعراءِ والمُفكِّرين، وكانَ يحضرُ في قاعةِ الشَّيخِ محمد عبده بالأزهرِ، وجمعيَّةِ الشُّبَّانِ المُسلِمين، وجمعيَّةِ الشُّبَّانِ المسيحيَّةِ، والجامعةِ الشَّعبيَّةِ، وغيرِها، وظلَّ كذلك حتَّى تخرَّجَ في كُلِّيَّةِ اللُّغةِ العربيَّةِ عامَ 1959م، وحصلَ على العالِمِيَّةِ معَ إجازةِ التَّدريسِ عامَ 1960م.
اقرأ أيضا
محطات في حياة الراحل محمود حمدي زقزوق
عُيِّنَ الدُّكتور محمود حمدي زقزوق مُدرِّسًا بمعهدِ المحلَّةِ الكُبرَى الدِّينيِّ، ثمَّ انتدَبَه الدُّكتور محمد البهي للعملِ مُشرِفًا على قِسمِ فحصِ الكُتُبِ والمجلَّاتِ بالإدارةِ العامَّةِ للثَّقافةِ بالأزهرِ، ثمَّ مُشرِفًا على قسمِ شئونِ طلَّابِ جامعةِ الأزهرِ.
وفي عامِ 1962م سافرَ إلى ألمانيا؛ حيثُ التحقَ بجامعةِ «ماربورج»؛ لكنَّ الدِّراسةَ الفلسفيَّةَ في هذه الجامعةِ لمْ تُعجبِ الدُّكتور زقزوق، فقرَّرَ التَّحويلَ إلى جامعةِ «ميونخ»، وكانَ مُشرِفُه في رسالةِ الدُّكتوراه الأستاذَ «راينهارد لاوت»، وعُنوانُ الرِّسالةِ: «الشَّكُّ المنهجيُّ لدى كلٍّ من ديكارت والغزاليِّ»، وحصلَ على الدُّكتوراه عامَ 1968م.
وبعدَ عودتِه عُيِّنَ في كُلِّيَّةِ أصولِ الدِّين بالقاهرةِ، وتدرَّجَ في المناصبِ بها حتَّى أصبحَ وكيلًا لها، ثمَّ عميدًا (من 1987 إلى 1995م)، وأثناءَ عملِه في الكُلِّيَّةِ أُعِيرَ إلى جامعةِ طرابلس في ليبيا، وكانَ يُدرِّسُ هناك الفلسفةَ اليُونانيَّةَ، ومادَّةَ الفكرِ الإسلاميِّ الحديثِ، وهي مادَّةٌ اقترحَها فضيلتُه، ووافَقَتِ الجامعةُ عليها، وأُعِيرَ أيضًا إلى جامعةِ قطر، وهناك أصبحَ وكيلًا لكُلِّيَّةِ الشَّريعةِ هناكَ، كما أنَّه كانَ منْ أعضاءِ اللَّجنةِ العلميَّةِ لترقيةِ أعضاءِ هيئةِ التَّدريسِ في جامعةِ الزَّيتونةِ في تونس.
وفي عامِ 1995م عُيِّنَ الدُّكتور زقزوق نائبًا لرئيسِ جامعةِ الأزهرِ، وبعدَ شهرَيْنِ فقطْ منْ تسلُّمِه العملَ صَدَرَ قرارُ رئيسِ الجمهوريَّةِ بتعيينِه وزيرًا للأوقافِ، وظلَّ في هذا المنصبِ (من 1996 إلى 2011م)، وقدْ أبلى الدُّكتور زقزوق بلاءً حسنًا في الوزارةِ، وقامَ بعملِ مشروعاتٍ علميَّةٍ نافعةٍ، منْها: إنشاءُ جائزةٍ سنويَّةٍ للدِّراساتِ الإسلاميَّةِ، وكانَتْ جائزتُها تُمنَحُ في احتفالِ ليلةِ القدرِ، كما استكملَ ترجمةَ معاني القرآنِ باللُّغةِ الفرنسيَّةِ، وأضافَ إليها خمسَ لغاتٍ أُخرَى، هي: الألمانيَّةُ والرُّوسيَّةُ والإسبانيَّةُ والإندونيسيَّةُ والسَّواحيليَّةُ، كما نُظِّمَتْ في عهدِه مُؤتمَراتٌ سنويَّةٌ للمجلسِ الأعلى للشُّئونِ الإسلاميَّةِ، وأنشأَ كثيرًا مِنَ المكتباتِ المُفيدةِ للدُّعاةِ والباحثين، وقامَ أيضًا ببناءِ المركزِ الثَّقافيِّ الإسلاميِّ؛ ليتمَّ فيه تدريبُ الأئمَّةِ وعَقْدُ النَّدواتِ والمُؤتمَراتِ، كما أصدرَتِ الوزارةُ في عهدِه دائرةَ معارفَ إسلاميَّةً تُقدِّمُ خدمةً جليلةً للباحثين.
وتقديرًا لجُهودِ الدُّكتور محمود حمدي زقزوق، اختِيرَ عضوًا مُؤسِّسًا بهيئةِ كبارِ العُلماءِ عندَما أُعيدَتْ مرَّةً أُخرَى عامَ 2012م؛ حيثُ جاءَ اسمُ الدكتور زقزوق في قرارِ رئيسِ الجمهوريَّةِ رَقْمِ (24)، الصَّادرِ في السَّابعِ والعشرِينَ منْ شعبانَ سنةَ 1433هـ، المُوافِقِ السَّابعَ عَشَرَ منْ يوليو عامَ 2012م.
ولمْ يكنِ الدُّكتور زقزوق عضوًا في هيئةِ كبارِ العلماءِ فقطْ، بلْ كانَ عُضوًا في كثيرٍ مِنَ الهيئاتِ والمجامعِ العلميَّةِ، حيثُ كانَ: عضوًا بمجمعِ البُحوثِ الإسلاميَّةِ، وعضوًا بمجلسِ حُكماءِ المُسلمين، ورئيسًا للجمعيَّةِ الفلسفيَّةِ المصريَّةِ، وعضوًا بلجنةِ الفلسفةِ والاجتماعِ بالمجلسِ الأعلى للثَّقافةِ، وعضوًا بالمجمعِ العلميِّ المِصريِّ، وعضوًا بالمجلسِ الأعلى للأزهرِ، وعضوًا باتَّحادِ كُتَّابِ مصرَ، وعضوًا بالأكاديميَّةِ الأوربيَّةِ للعُلومِ والفنونِ بسالسبورج في النِّمسا.
وقدْ أثرى الدُّكتور حمدي زقزوق المكتبةَ الإسلاميَّةَ بكثيرٍ مِنَ المُؤلَّفاتِ، ومنْها: «تمهيدُ الفلسفةِ»، «المنهجُ الفلسفيُّ بينَ ديكارت والغزاليِّ»، «الاستشراقُ والخلفيَّةُ الفكريَّةُ للصِّراعِ الحضاريِّ»، «مُقدِّمةٌ في علمِ الأخلاقِ»، «دراساتٌ في الفلسفةِ الحديثةِ»، «مُقدِّمةٌ في الفلسفة الإسلامية»، «حقائقُ إسلاميَّةٌ في مواجهةِ حملاتِ التَّشكيكِ»، «الدِّينُ والحضارةُ»، «الدِّينُ والفلسفةُ والتَّنويرُ»، «مدخلٌ إلى الفكرِ الفلسفيِّ»، «ثلاثُ رسائلَ في المعرفةِ للإمامِ الغزاليِّ»، «الإسلامُ والغربُ»، «الإسلامُ في مرآةِ الفكرِ الغربيِّ»، «الإسلامُ في تصوُّراتِ الغربِ»، «الحضارةُ فريضةٌ إسلاميَّةٌ»، «الإسلامُ وقضايا الحوارِ»، «الإسلامُ في عصرِ العولمةِ»، «هُمومُ الأمَّةِ الإسلاميَّةِ»، «الفكرُ الدِّينيُّ وقضايا الأمَّةِ الإسلاميَّةِ»، «الفكرُ الدِّينيُّ وقضايا العصرِ»، «المُسلمون في مُفترَقِ الطُّرُقِ»، «الإنسانُ والقِيَمُ في التَّصوُّرِ الإسلاميِّ»، «مقاصدُ الشَّريعةِ الإسلاميَّةِ وضروراتُ التَّجديدِ»، «الدِّينُ للحياةِ»، «مفاتيحُ الحضارةِ وتحدِّياتُ العصرِ»، «الإسلامُ ومُشكلاتُ المسلمين في ألمانيا»، «منْ أعلامِ الفكرِ الإسلاميِّ الحديثِ»، «هوامشُ على أزمةِ الفكرِ الإسلاميِّ المُعاصِرِ»، «رحلةُ حياةٍ: ذكرياتٌ، وحقائقُ، وتجاربُ حياتيَّةٌ».
وللدُّكتور زقزوق كثيرٌ مِنَ التَّلامذةِ النَّابهين، ومنْهمُ: الدُّكتور سعد الدين السيد صالح، والدُّكتور طه الدُّسوقي حبيشي، والدُّكتورة عائشة يوسف المناعي، والدُّكتور: رضوان السيد – منْ لبنان- والدُّكتورة زينب القاروط.
هذا وقدْ حصلَ الدُّكتور محمود حمدي زقزوق على كثيرٍ مِنَ الجوائزِ والأوسمةِ؛ تقديرًا لجهودِه العلميَّةِ، وهي: جائزةُ الدَّولةِ التَّقديريَّةِ في العُلومِ الاجتماعيَّةِ، ووِسامُ الاستحقاقِ الأعظمُ معَ النَّجمةِ والوِشاحِ منْ جمهوريَّةِ ألمانيا الاتِّحاديَّةِ، ووِسامُ العُلومِ والفُنونِ مِنَ الطَّبقةِ الأولى منْ مِصرَ، وجائزةُ الرَّئيسِ التُّونسيِّ العالميَّةُ للدِّراساتِ الإسلاميَّةِ، كما كرَّمَه رئيسُ جمهوريَّةِ كازاخستان؛ تقديرًا لجهودِه في تشييدِ المبنى الجديدِ للجامعةِ المِصريَّةِ للثَّقافةِ الإسلاميَّةِ هناك.
وبعدَ حياةٍ حافلةٍ بالعطاءِ تُوفِّيَ الدُّكتور محمود حمدي زقزوق في السَّابعِ منْ شعبانَ سنةَ 1441هـ، المُوافِقِ الأوَّلَ منْ أبريل عامَ 2020م.
0 تعليق