“هل تمارس الجزائر نوعا من الوصاية على علاقات تونس بالخليج؟”، سؤال انطلق منه تقرير لمركز “البيت الخليجي للدراسات والنشر” ليؤكد أن الجزائر مارست بحكمها العسكري ضغوطا واضحة على تونس عبر التدخل في شؤونها الداخلية، رغم تأكيد تبون أن بلاده تتدخل بلطف بين الفرقاء في تونس دون انحياز لطرف معين، مضيفا أن “الجزائر مارست ضغوطا أخرى تتعلق بالسياسة الخارجية، ترجمها استقبال زعيم جبهة البوليساريو في تونس والحديث في روما عن حماية تونس”.
وأوضح التقرير أن الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، لا يتردد في التصريح بأنه يسعى إلى أن “لا تنهار الدولة في تونس، وكأنه يقدم نفسه كجدار منيع يمنع هذا السقوط، مستشعرا الامتداد الأمني بين تونس والجزائر وتبادل إيقاف الإرهابيين بين البلدين، بما يوحي بشكل واضح إلى تفوق قوة الجزائر العسكرية”، مشددا على أن “هذه السطوة لا يمكن أن تكون منعزلة عن الإطار العام للعلاقات بين تونس والخليج، رغم اختلاف الأجندات والمصالح والمزاج العام في البلدين”.
وفي معرض حديثه عن تأثير موجة “الربيع العربي” على الحسابات السياسية في منطقة الخليج وشمال إفريقيا، بين المصدر ذاته أن “التوجس من الربيع العربي لم يكن خليجيا فحسب، فموقف الجزائر من ثورة تونس كان حازما بعد أن شهدت حراكا شعبيا تحت حكم الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، متأثرة بسقوط نظام زين العابدين بن علي”، معتبرا أن “الجزائر ما تزال متوجسة من أي هبة تقع في الجوار، ولذلك تمارس اليوم، بقيادة الرئيس عبد المجيد تبون، ما يشبه الوصاية على تونس بحسب وصف الكثير من المراقبين، وينعكس هذا على علاقات تونس بالخليج كذلك”.
وأوضح أنه “رغم تقلص الاستقطاب الخليجي في دول المغرب العربي بعد المصالحة الخليجية، إلا أن الخليج ما زال يمثل سوق العمل الأهم لسكان دول شمال أفريقيا، لا سيما الجزائر وتونس، حيث ترتفع معدلات البطالة في صفوف الشباب وحاملي الشهادات العليا، إذ كانت البطالة ولا تزال تهدد استقرار أنظمة الدول الهشة، لا سيما الفقيرة منها، ومن بينها تونس”، مبرزا أن الخليج، وإن كان مُتنفسا مهما لخلق فرص العمل لآلاف الأسر المغاربية، إلا أن “السياسة التي تربط الخليج بالمغرب العربي لم تكن يوما مستقرة أو متشابهة من دولة إلى أخرى، ما جعل من هذه السوق بدورها محكومة بالمزاج السياسي ومنحنيات العلاقات”.
وحول مسار العلاقات الخليجية المغاربية، خاصة مع تونس والجزائر، أكد “البيت الخليجي للدراسات والنشر” أن “نظام قيس سعيد يعد بالنسبة للخليج، لا سيما بعد فوزه الكاسح وغير المفاجئ في انتخابات أكتوبر 2024، استمرارية ضرورية للاستقرار في شمال أفريقيا، فبين الاضطراب المهيمن على الأوضاع في الجارة ليبيا والقوة العسكرية الصارمة في الجزائر، يحاول النظام التونسي المحافظة على تحالفاته، وإن بدا الاستقواء بالجزائر بينا ومتصاعدا”.
وتابع بأن الرئيس التونسي حافظ على علاقات معقولة مع الدول الخليجية، خاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، إلا أنه “لم يستفد من دعمهما المالي بعد سقوط الإخوان المسلمين”، مبرزا على صعيد آخر أن “قيس سعيد منح النظام الحاكم في الجزائر ما لم يحصل عليه من أسلافه: تدخلا مباشرا في الشؤون الداخلية، فالزيارة التي أداها وزير الخارجية التونسي السابق، نبيل عمار، إلى الجزائر في أغسطس من العام 2023 لشرح خيارات تونس الخارجية، قوبلت باستهجان سفراء تونس السابقين الذين انتقدوا تبعية النظام للجزائر”.
وسجل التقرير أن “الغضب التونسي من استصغار تونس نما بشكل كبير بعد تصريح خبير جزائري سابق لقناة إماراتية، قال فيه إن تونس ولاية جزائرية، وكأنه ينطق بما يفكر به اللاوعي الرسمي الجزائري في تعامله مع تونس”، مضيفا أن “الرئاسة التونسية لم تكتفِ بالخروج عن العرف في قضية الصحراء، فاستقبلت زعيم البوليساريو أسوة بالجزائر في سابقة تاريخية، بل استجابت في العام 2023 لطلب الجزائر باعتقال المعارضة الجزائرية أميرة بوراوي بعد أن عبرت الحدود التونسية خلسة، لكنها أفرجت عنها بعد ثلاثة أيام بطلب من فرنسا لكونها تحمل جواز سفر فرنسي، الأمر الذي أغضب الجزائر”.
وشدد على أن “تدخل الرئيس الجزائري في الشؤون التونسية لم يكن خفيا، حتى في لقائه بمسؤولين أوروبيين، كان يسمح لنفسه بالحديث عن تونس وكأنه يمنحها صك ثقة”، معتبرا في سياق حديثه عن العلاقات الخليجية الجزائرية أن ملف الصحراء يعد أحد القضايا الخلافية بين دول الخليج والجزائر، حيث فشلت الجزائر في استمالة دول الخليج لتغيير موقفها، مشيرا في هذا الصدد إلى تجديد مجلس التعاون الخليجي في أكتوبر 2024 في الكويت لموقفه بشأن مغربية الصحراء.
في السياق نفسه، سجل المصدر ذاته أن “العلاقات بين الجزائر والإمارات في عهد الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة كانت متزنة وجيدة، لكن هذه العلاقات شهدت توترا منذ وصول الرئيس عبد المجيد تبون إلى الحكم بسبب الموقف الإماراتي الداعم لمغربية الصحراء وتطبيع المغرب مع إسرائيل وانضمامه إلى معسكر الإمارات المتقارب مع إسرائيل، ثم فتح الإمارات قنصلية لها في مدينة العيون بالصحراء”، لافتا في هذا الصدد إلى تهجم جهات جزائرية، بما فيها الصحف والإعلام العمومي الذي يمثل المزاج العام للنظام الجزائري، على أبوظبي من خلال اتهامها بـ”محاولة تشويه سمعة الجزائر في الساحل الإفريقي”.
وأشار إلى وصف إحدى الصحف الجزائرية للسفير الإماراتي في الجزائر بأنه “شخص غير مرغوب فيه”، متهمة أبوظبي بالتآمر على الجزائر، غير أنه أكد أن “اللافت أنه رغم الصدع السياسي والدبلوماسي، تحافظ الإمارات على موقعها في الجزائر كأول مستثمر خليجي بحجم استثمارات يبلغ 661 مليون دولار في مجال تجميع العربات العسكرية والطاقة”.
0 تعليق