تصدرت تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، المثيرة للجدل المشهد السياسي خلال زيارته لجزر مايوت المنكوبة، التي تعرضت لأعنف إعصار في تاريخها منذ 90 عامًا، و التي شهدت مواجهة حادة بين الرئيس الفرنسي والسكان المحليين، في وقت لا تزال فيه المنطقة تكافح للتعافي من آثار الكارثة الطبيعية.
الكارثة وتداعياتها المأساوية
ضرب إعصار شيدو جزر مايوت، الواقعة في المحيط الهندي بين مدغشقر وموزمبيق، في 14 ديسمبر 2024، محدثًا دمارًا هائلًا في البنية التحتية للجزيرة، وبحسب ما نقلته صحيفة "إكسبريس" الفرنسية، تعرضت المنطقة لأضرار جسيمة طالت المساكن المتواضعة المصنوعة من الصفيح في الأحياء الفقيرة، التي تؤوي غالبية السكان.
وبعد مرور أسبوع على الكارثة، لا تزال المقاطعة الفرنسية الأفقر تعاني من نقص حاد في المياه والخدمات الأساسية، ما فاقم معاناة السكان وأجج مشاعر الغضب تجاه السلطات الفرنسية.
وتكشف التقارير الميدانية عن حجم المعاناة في الأحياء المتضررة، حيث يروي على جيموي، أحد سكان حي كاويني الفقير على أطراف العاصمة مامودزو، كيف فقد ثمانية من جيرانه حياتهم جراء الإعصار، وتم دفن اثنين منهم على عجل بالقرب من مسجد محلي.
ويؤكد جيموي أن مايوت قد "تم التخلي عنها تمامًا" من قبل الدولة الفرنسية، مشيرًا إلى أن "المياه التي تجري في الأنابيب لا يمكن شربها، فهي تخرج ملوثة."
صدام الرئيس والسكان
خلال جولته التفقدية، واجه ماكرون موجة من الاحتجاجات الغاضبة من السكان المحليين الذين طالبوه بتفسير التأخر في وصول المساعدات.
وفي لحظة متوترة، صرخ أحد المواطنين في وجه الرئيس قائلًا: "سبعة أيام ولم تتمكنوا من توفير المياه للسكان." وبدلًا من تهدئة الموقف، رد ماكرون بحدة غير معهودة، مستخدمًا لغة قوية أثارت جدلًا واسعًا، إذ قال للحشد المحتج: "أنتم سعداء لكونكم في فرنسا، لأنه لولا فرنسا، أقول لكم، لكنتم في وضع أسوأ بعشرة آلاف مرة، لا يوجد مكان آخر في المحيط الهندي تلقى هذا القدر من المساعدة".
وفي محاولة لاحتواء الموقف، قرر ماكرون تمديد زيارته ليوم إضافي، معللًا ذلك بقوله: "قررت النوم هنا لأنني اعتبرت أنه نظرًا لما يمر به السكان، فإن المغادرة في نفس اليوم قد يعطي انطباعًا بأننا نأتي، ننظر، ثم نرحل". ووعد الرئيس الفرنسي بتوزيع المياه عبر مقرات البلديات، قائلًا: "أتفهم نفاد صبركم، يمكنكم الاعتماد عليّ".
الأزمة الإنسانية
تكشف الأرقام الرسمية عن تعقيد الوضع الديموغرافي في مايوت، حيث يبلغ عدد السكان المسجلين رسميًا 320 ألف نسمة، إلا أن التقديرات الحكومية تشير إلى وجود ما بين 100 ألف و200 ألف شخص إضافي، معظمهم من جزر القمر المجاورة، يعيشون في الأحياء العشوائية.
وتعود العلاقة التاريخية بين مايوت وفرنسا إلى عام 1841، عندما أصبحت جزءًا من الإمبراطورية الفرنسية، وتعززت هذه العلاقة في عام 1974 عندما صوت سكانها للبقاء تحت السيادة الفرنسية، في حين اختارت جزر القمر المجاورة الاستقلال.
وتزداد المشكلة تعقيدًا مع الحصيلة غير المؤكدة لضحايا الإعصار، فرغم أن العدد الرسمي للوفيات يقف عند 31 شخصًا، إلا أن هناك مخاوف من أن يكون العدد الحقيقي أعلى بكثير.
ويرجع عدم دقة الإحصاءات إلى عاملين رئيسيين، أولهما يعود إلى الدفن السريع للضحايا وفقًا للتقاليد الإسلامية، وثانيهما هو وجود عدد كبير من المهاجرين غير الموثقين الذين يتجنبون التواصل مع السلطات خوفًا من الترحيل.
تداعيات سياسية
أثارت تصريحات ماكرون موجة من الانتقادات السياسية في فرنسا، إذ وصف زعيم الحزب الاشتراكي أوليفييه فور التصريحات بأنها غير مقبولة، متسائلًا عبر منصة إكس "تويتر" سابقًا: في أي إقليم فرنسي آخر سيقوم الرئيس بتوبيخ مواطنينا طالبًا منهم التوقف عن الشكوى من مأساتهم لأنهم محظوظون بما فيه الكفاية لكونهم فرنسيين؟"
وانضم سيباستيان شينو، من حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف، إلى المنتقدين قائلًا: "لا أعتقد أن الرئيس يجد الكلمات المناسبة للمواساة لمواطنينا في مايوت، الذين يشعرون دائمًا، مع هذا النوع من التعبير، بأنهم يعاملون بشكل مختلف." كما وصف السياسي اليساري المتشدد إريك كوكريل تعليقات ماكرون بأنها "مهينة تمامًا".
وتأتي هذه الأزمة في وقت يواجه فيه ماكرون اتهامات منفصلة بالعنصرية، بعد أن نقلت صحيفة لوموند عنه تعليقًا مثيرًا للجدل حول المشاكل في المستشفيات الفرنسية.
ورغم النفي القاطع من قصر الإليزيه لهذه التصريحات، إلا أن الجدل المتصاعد يعكس التوتر المتزايد في المجتمع الفرنسي حول قضايا الهوية والمساواة والعدالة الاجتماعية.
إخلاء مسؤولية إن الموقع يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
0 تعليق