لا أحد يستطيع أنّ يُنكر فصول المؤامرة التى تُحاك ضد سوريا، ليست سوريا فقط ولكن منطقة الشرق الأوسط؛ مؤامرة يتم تنفيذها بأنامل إقليمة ضمن مخطط الولايات المتحدة الأمريكية لتحقيق أمن إسرائيل الكبرى الذى وعد به رئيس الوزراء الإسرائيلى بعد ٧ أكتوبر من العام ٢٠٢٣.
لست من مناصرى التصور التآمرى للأحداث السياسية، ولكننى أدرك فى ذات الوقت أنّ كل شيء يجرى فى عالم السياسه بتخطيط؛ وهناك خطط قد تستغرق عقودًا طويلة، قد لا يستوعبها العقل العربي، لأنه يتمتع بذاكرة ضعيفة لا تحتفظ بالأشياء، كما أنّ هذا العقل لا يُقارب بين الأحداث ولا يُريد أنّ يبذل مجهودًا فى هذا الاتجاه.
أغلب الأقلام منذ ٨ ديسمبر الماضى ذهبت فى اتجاهين، أحدهما حاول أنّ يستغرق فى حلمه بأنّ تتحول سوريا إلى دولة قوية بعد ٥٢ عامًا من حكم الأسد، الأب والابن، وتناست هذه الأقلام التحديات التى تمر بها سوريا والتى قد تعصف بمستقبلها لعقود قادمة.
دعونا نتفق بداية أنّ مستقبل سوريا هو من يُحدده السوريون أنفسهم دون غيرهم، وأنّ أى اجتهادات هدفها قراءة المستقبل واستشرافه وليس تشويه المستقبل لصالح الماضى الزائل، ونقل الصورة بكل تفاصيلها لا يُعنى بطبيعة الحال تماهيًا مع الماضي.
الاتجاه الثاني، نقل الواقع ولا يمهل أيُا من تفاصيله ولم يتصالح مع من خاصم العقل والمنطق والدين والسياسة؛ فلا يمكن أنّ ينتصر الخير على يد دعاة الشر ولا يمكن لهؤلاء أنّ يكونوا أداة للحوار، وهم لا يؤمنون بالحوار أصلًا.
وهنا لا بد أنّ نفرق بين سوريا المستقبل التى نتمنى أنّ تكون عليه، وبين واقعها الآن، والحديث عن الواقع لا يُعنى كما ذكرت تماهيًا مع الماضى الزائل، ولا خصامًا مع المستقبل، الذى نتمنى أنّ يكون مشرقًا بطبيعة الحال، وتبقى الكلمة الأخيرة فى رسم هذا المستقبل للسوريين أنفسهم.
أغلب وسائل الإعلام سيطرت عليها المشاريع السياسية، وباتت السياسة هى الحكم فى نقل الصورة، كما بات تزيين هذه الصورة هو هدف الكثير من الإعلاميين، رغم أنّ وظيفة الإعلام نقل الصورة بلا رتوش، ومناقشة كل التصورات السياسية، ولكن تبقى وظيفة الإعلام نقل الصورة وليس الحكم عليها.
لا أحد يُريد لسوريا أنّ تسقط فى براثن الفوضى ولكنه لا يرضى لدعاة الفوضى أنّ تكون لهم الكلمة العليا فى سوريا، بدعوى أنّ السوريين لابد أنّ يصمتوا، وأنّ الصمت قرار كتب على سوريا لعقود، وشاء الإعلام أنّ يستمر لأخرى.
قراءة المستقبل واستشرافه جزء من وظيفة الإعلام والبحث؛ فمهما كانت القراءة غائمة وغامضة ولا تُروق للبعض، فهى وحدها التى تُساعد على القفز إلى المستقبل، ولا مستقبل إلا بهذه القراءة التى لن نعدمها مهما تجاهلها الآخرون.
نحن على ثقة من المستقبل، كما أننا على ثقة بتجاوز تحدياته، وثقتنا أكبر بقراءة المستقبل، الذى لا يمكن تجاوزه بدون قراءة دقيقه وعميقة، وهنا لا بد من الإشارة إلى أننا سوف نستمر فى قراءة التفاصيل وتحليلها بدون أى غيوم سياسية، وبدون أنّ نتأثر بأى خطاب سياسي، لأننا لا نُريد إلا المستقبل المشرق لسوريا والمنطقة العربية.
قد تتعدد الخطابات، وكل خطاب له مرجعية وله أهداف، وهذا لا يمنعنا أنّ نبشر بالمستقبل كما نراه لا كما نتمناه، فنحن باحثون عن هذا المستقبل، ومطلوب منا أنّ ننقل الصورة بكل تفاصيلها لمتخذى القرار ولمن يُريد أنّ يطل على المستقبل بلا أى توهمات سياسية ودون ضغوط من هنا أو هناك.
من يبحثون عن الحقيقة سوف يظلون فى مرمى السهام؛ لأنهم غالبًا مختلفون، يتلاقى البعض معهم، ولكنهم لا يُقدمون ما يرجوه أصحاب الأجندات، ولذلك يحتاج كل طرف من الأطراف إضافة بعض الرتوش للصورة الحقيقية، ويأبى الباحث إلا أنّ تكون الصورة معبرة عن الواقع بلا أى رتوش.
هناك مؤامرة تعيشها سوريا، هذه المؤامرة داخلية وخارجية، لعل أصعبها تأثيرًا وقهرًا أنّ يتآمر عليها بنو جلدتها، ووسط الأفكار والمذاهب والمكونات المختلفة، لا بد أنّ يكون الحوار وسيلة الانقاذ الوحيدة، وهنا لا بد أنّ تُعبر سوريا عن كل السوريين بكل تنوعاتهم.
التغيير فى سوريا هو ملك السوريين دون غيرهم، ولا حكرًا على طائفة أو مذهب أو عرق أو دين، وهنا تبدو أهمية مدنية الدولة وضرورة أنّ يُشارك الجميع فى بناء سوريا المستقبل، ما دون ذلك فلا مستقبل لسوريا ولا يمكن لسوريا أنّ تكون أو تقوم.
مرت سوريا بمخاض التغيير على مدار ١٢ عامًا، ولكنها ما زالت تعيش تبعاته، فواقع المخاض الحقيقى ما تعيشه سوريا الآن، لأنه ببساطه هو ما يُحدد مستقبلها؛ سوريا الأسد مضت بكل ما فيها ولن تُعود ثانية، والمتأملون للمشهد كانوا يُدركون أنها عملية وقت ليس أكثر أو أقل.
ولهذا نقول إنّ مخاض سوريا فى واقعها الحالى وتحدياته، والتهوين فيه يُعنى مستقبلًا غير مرحب به، كما أنّ التهويل فيه قد يضر بقراءة هذا المستقبل، لا يمكن قراءة سوريا المستقبل بدون تفكيك نظرية المؤامرة وقراءة التحديات بلا أى توازنات سياسية غير المعلومة المجردة التى لا بد أنّ تخضع للبحث والتدقيق.
0 تعليق