حين تخرج لك “الأخت” نبيلة منيب (الأخت المسلمة أو الأخت اليسارية، بحال بحال) وتدافع بحرارة عن “حرية التعبير” في خطب الجمعة، ونبذ توجيهات وزارة الأوقاف أو نصائحها في شأن موضوع الخطبة، فذلك ما لا يستقيم مع المنطق. لأن المجتمع المتنور يرفض قطعًا كل انحراف داعشي أو وهابي أو شيعي أو حتى إخواني (برائحة صدئة من أيام حسن البنا) لهذه الخطبة، مهما كلّف الثمن من الانحراف قليلًا عن الديمقراطية “المطلقة”.
منذ خرجت جماعة العدل والإحسان بتهديدها الشهير “الإسلام أو الطوفان”، ونحن نعيش المزايدة على إسلام المغاربة دون كلل ولا ملل. فمنذ 1974، أو ربما قبل ذلك، ولا تزال هذه الجماعة تهدد بالطوفان نفسه، لكن بأشكال حربائية جديدة لا تخفى على الأذكياء والنابهين. فلا يدخل الجنة إلا المؤمن بهذا الطوفان، ومن أنكر ذلك فهو خارج عن الجماعة. كما أن هذا التجمع العجيب يفخر بكونه لم “يلوث” سمعته بالمشاركة السياسية، وأنه أكثر عذرية من سيدتنا مريم في هذا المجال.
حزب العدالة والتنمية، الذي يعرف الجميع الحمل والمخاض وظروف الولادة التي صاحبت خروجه إلى الوجود، أقنع المغاربة بأن الإسلام هو الحل. ولم تخلُ حملاته الانتخابية من مزايدات باسم الدين، مدعيًا أن مناضليه أتقياء أنقياء يكاد بعضهم يبشّر بالجنة، مركزًا على الجانب الديني أكثر من الدستوري، السياسي، والاجتماعي. ثم قاد الحكومة لولايتين، ولايتين كارثيتين، لم يسبق لأي حكومة ليبرالية أو اشتراكية أن اقترفت من الذنوب مثلما اقترف هذا الحزب.
وفي الانتخابات الأخيرة، نبذه المغاربة، ولم يصوتوا عليه حتى بما ينشئ فريقًا برلمانيًا، لأن كل أوراقه السياسية احترقت. ولم يجد غير التبرؤ من كل الالتزامات الرسمية التي اتخذها ووقع عليها، ومنها التطبيع مع إسرائيل. وكان كبش الفداء هو سعد الدين العثماني، الذي لم يكن معزولًا، ولا مطرودًا، ولا متبرأً منه من طرف حزبه أثناء تحمله مسؤولية رئاسة الحكومة.
اليوم، يرجع الحزب إلى مزايدة دينية قومجية، محملًا المسؤولية للعثماني وحده دون غيره، وكأنه كان ينتمي لحزب نازل من الفضاء، وليس لحزب تمنى المغاربة جميعهم أن يساعد البلاد على امتصاص صدمة الربيع العربي. ولو استطاعت العدالة والتنمية أن تقود المغاربة بإدارة سياسية، اقتصادية، واجتماعية محنكة، لما احتاجت إلى اللعب على الوتر الديني للفوز برضى المغاربة. بل كانت الإنجازات المادية على أرض الواقع هي الدليل على كفاءة الحزب وقدرته السياسية، لا “الفقهية”.
إن كل حزب فقد قدرته على إقناع المغاربة بكفاءته يلجأ إلى المزايدات الدينية، والسياسية، والقومية، حتى انمحت كل القضايا الوطنية، واتجه الجميع إلى الشرق الأوسط لدغدغة عواطف المغاربة. في تكتيك شيطاني يعرف أن نقطة ضعف المغاربة تكمن في ما يربطهم بالعرب والمسلمين. والدليل على ذلك هو مد يد “خاوة خاوة” للجزائر، رغم أنها أكثر شرًا من الشياطين، والصهاينة، والنازيين ومن شابه.
والمزايدة ليست حكرًا على المغاربة؛ فقد جربها هتلر في بداية مشواره السياسي، حين ضرب على الوتر الحساس لدى الألمان بعد إهانة الحلفاء لألمانيا غداة هزيمتها في الحرب العالمية الأولى، فتبعه الشعب كالأعمى دون استثناء. وقريبًا منا، في فرنسا، ما كان لحزب الجبهة الوطنية لمارين لوبين أن يستأسد في الفضاء السياسي الفرنسي، لولا المزايدة على الهجرة، وكذا في إيطاليا وهولندا وغيرها.
نريد للمغاربة ألا يعطوا أي مزية سياسية لأي حزب يصعد بالمزايدة، لا بالإقناع ببرنامجه وإرادته السياسية. فالمغاربة كلهم مسلمون، ولا فضل لأحد على الآخر إلا بالعمل، والعمل وحده.
0 تعليق