سلط تقرير حديث لمركز “إفريقيا للدراسات الإستراتيجية” الضوء على حضور العقيدة العسكرية في السياسات الصينية تجاه إفريقيا، وعلى كيفية استفادة بكين من تدريباتها العسكرية المشتركة مع القوات الإفريقية لتعزيز قدراتها الاستكشافية وطموحاتها الجيوستراتيجية في القارة، مشيرًا إلى التدريبات العسكرية التي أجراها الجيش الصيني مع جيشي تنزانيا وموزمبيق في وقت سابق من العام الجاري، وشهدت مشاركة حوالي 1000 جندي صيني، واستخدام نحو عشرين نوعًا مختلفًا من الأسلحة والمعدات، بما في ذلك الأسلحة الصغيرة والمدفعية الثقيلة والطائرات الموجهة.
وسجلت الوثيقة أن هذه التدريبات، التي حملت اسم “سلام الوحدة 2024″، أظهرت القدرات المتزايدة للجيش الشعبي الصيني على نشر قوات المشاة والدروع والمدفعية ووحدات الدعم عبر مسافات شاسعة؛ كما أبرزت أهمية إفريقيا بالنسبة لبكين كمنطقة اختبار لاستعراض القوة الجيوستراتيجية والاستعدادات وقدرات الحرب الخاصة بالجيش الصيني، معتبرة أن هذا النوع من التدريبات العسكرية جزء من رؤية الصين الموجهة للقارة الإفريقية.
وتابع المصدر ذاته بأن الإستراتيجيات الجديدة للصين، مثل إستراتيجية “الانفتاح على الخارج” و”المهام التاريخية الجديدة”، أحدثت العديد من التغييرات في عقيدة ومهام الجيش الصيني، مشيرا إلى أنها تهدف إلى تحقيق مجموعة من الغايات، من ضمنها حماية المصالح والقدرات التشغيلية في الخارج، مثل البنية التحتية والطاقة ومسارات الشحن والمواطنين الصينيين في الخارج، بما في ذلك استخدام الأصول العسكرية والمدنية الصينية لإجلاء المواطنين الصينيين من مناطق مثل إثيوبيا وليبيا وجنوب السودان والسودان.
وأورد التقرير أن الصين لم تشغل أيا من قواتها في قوات حفظ السلام في إفريقيا، وكانت متأخرة كثيرًا عن الولايات المتحدة وأوروبا في تدريب الطلاب والمهنيين المدنيين والعسكريين الأفارقة، كما كانت غائبة عن مناقشات الأمن الإفريقي؛ أما اليوم فتحتفظ بأساطيل بحرية مستمرة في القارة، ولديها عدد أكبر من الجنود في مهام الأمم المتحدة مقارنة بأي عضو دائم آخر في مجلس الأمن، إضافة إلى أنها تشرف على تدريب العديد من الطلاب الأفارقة والعسكريين وموظفي إنفاذ القانون في إفريقيا.
وأفاد تقرير “إفريقيا للدراسات الإستراتيجية” بأن بكين أجرت منذ بداية الألفية الثانية حوالي 19 تمرينًا عسكريًا و44 زيارة بحرية للموانئ و276 زيارة عسكرية في إفريقيا، كما أرسلت 24 فريقًا طبيًا عسكريًا ومدنيًا للعمل في أكثر من 48 دولة إفريقية، مشيرًا إلى توسع المشاركة الصينية في التدريبات العسكرية مع القوات الإفريقية ابتداءً من العام 2014 لتشمل عددًا من الدول، من ضمنها نيجيريا وناميبيا والكاميرون (يوليو) وجيبوتي.
وأردفت الوثيقة بأن “بناء قدرات حفظ السلام ومكافحة الإرهاب يعد جزءًا من أهداف منتدى التعاون الصيني الإفريقي، الذي يستضيف حوارات أمنية منتظمة، مثل منتدى السلام والأمن الصيني الإفريقي، ومنتدى الشرطة وإنفاذ القانون الصيني الإفريقي، كما يروج للمعايير الأمنية الصينية في القارة”، معتبرة أن “المشاركة المتزايدة لجيش التحرير الشعبي في منتدى التعاون الصيني الإفريقي تشير إلى عسكرة جوانب معينة من سياسة الصين تجاه إفريقيا، فيما ينطبق الأمر نفسه على الآليات الإقليمية الأخرى للصين، مثل منتدى التعاون بين الصين والدول العربية ومنتدى الصين ومجتمع دول أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي، التي طورت أيضًا برامج عسكرية بمرور الوقت”.
وبين المصدر ذاته أن الصين تستفيد أيضًا من مسافات الانتشار الطويلة التي تنطوي عليها عملياتها العسكرية الموسعة في إفريقيا، حيث عملت على توسيع نفوذها في القارة وتقديم تدريبات واقعية لجيشها من خلال البيئة الأمنية المعقدة في هذه القارة، مؤكدًا في الوقت ذاته أن الحكومات الإفريقية تدافع عن قرارها التعاون مع الجيش الصيني، مشيرة إلى فوائد التعلم من الجيش الصيني الذي يشهد تحديثًا سريعًا، وذلك رغم وجود آراء منتقدة من خارج الحكومات لهذا التقارب العسكري مع الصين.
وخلص التقرير إلى أن “الإستراتيجية العسكرية الصينية في إفريقيا تروم تحقيق هدف الصين المتمثل في ‘النهضة الكبرى للأمة الصينية بحلول عام 2049’، التي تتطلب من الجيش الصيني أن يصبح قوة عالمية من خلال تعزيز قدراته القتالية وقدرته على بسط النفوذ اللازم للدفاع عن المصالح العالمية المتزايدة للصين، والانتصار في الحروب المستقبلية بالقرب من مياهها الإقليمية”، موردا: “بينما تدافع بعض الدول الإفريقية عن دعم تسليح الصين المتزايد من منطلق بناء القدرات فإن البعض الآخر يعبّر عن قلقه بالقول إنه ينبغي على إفريقيا إدارة شراكاتها العسكرية بشكل أفضل، لتجنب دخول القارة في صلب التنافس الجيوستراتيجي الذي تقول الحكومات إنها تسعى إلى تجنبه”.
0 تعليق