في زيارة قصيرة إلى دولة الأردن الشقيقة، أصرّ الأصدقاء الأعزاء هناك أن أزور جبل نيبو، الذي يبعد عن العاصمة عمان حوالي 41 كيلومترًا، أقرب محافظة أردنية له هي مادبا، ويطل على البحر الميت، مما يتيح لأي زائر عند الصعود إلى قمته أن يشاهد أراضي فلسطين بوضوح، يعد جبل نيبو مزارًا دينيًا مقدسًا لليهود والمسيحيين والمسلمين، إذ يكرم الجميع النبي موسى عليه السلام.
وفقًا لسفر التثنية في التوراة، اختُتمت حياة النبي موسى على هذا الجبل، حيث وجّه الله موسى للصعود إليه وهناك توفي. يسود الاعتقاد أن الله أخفى جسده حتى لا يتخذه بنو إسرائيل موضعًا للعبادة، وهو أمر غير مستبعد على شعب سبق وأن عبد العجل الذهبي. لذا يُطلق على المكان لقب "مقام النبي موسى" وليس "قبر النبي موسى"، إذ لا يُعرف له قبر محدد. هذه الظاهرة ليست نادرة، فكثير من الشخصيات التاريخية "القلقة" كالإسكندر الأكبر وأخناتون لم يُعرف لهم قبر أيضًا.
رغم استمتاعي الكبير بزيارة هذا المكان الساحر، فإن دهشتي بلغت ذروتها عند قراءة لوحة تعليمات زيارة المقام والكنيسة الموجودة فيه. تحت عنوان "قواعد الموقع"، كُتب: "يمنع خلع أو إيذاء أشجار الزيتون، التفسيرات ممنوعة داخل الكنيسة، الكنيسة مخصصة للزيارة والصلاة والصمت، ممنوع التدخين واستهلاك المواد الغذائية في هذه المنطقة".
التقطت صورة لهذه اللوحة العجيبة وبقيت طوال إقامتي في الأردن أفكر في عبارة "التفسيرات ممنوعة". أخذت أتساءل: ماذا لو تعاملنا مع النصوص الدينية بفهم قلبي فردي، دون تلك المجلدات الضخمة والمتناقضة التي تملأ رفوف المكتبات؟ كيف كانت ستكون حياتنا لو لم تؤدِ تفسيرات النصوص إلى إشعال حروب دينية ما زالت مستمرة حتى اليوم؟
كم من الأشخاص اكتسبوا قداسة ومكانة بسبب لقب "العالم الجليل" و"حجة التفسير"، وكم آخرين فقدوا حياتهم بسبب تفسير متشدد، تبنته جماعات أصولية مثل ابن تيمية، والمودودي، وسيد قطب، الذين قادت أفكارهم إلى مقتل الآلاف؟
بل إن الكثير من النصوص الدينية فقدت معناها بسبب انتزاعها من سياقها الزماني والمكاني، ما أدى إلى تفاسير متناقضة يعتقد كل مفسر أنها الوحيدة الصحيحة للنص الصامت. وكم من البشر عاشوا أيامًا ضائعة بسبب التفسيرات، أو تألموا لضيق الفهم وغياب الاطلاع على لغة النص الأصلية!
خذ مثالًا من الكنيسة القبطية الأرثوذكسية: عندما أصر البابا شنودة على تفسير مقتطع للآية "لا طلاق إلا لعلة الزنا". قبل وصوله إلى الكرسي البابوي عام 1971، كانت هناك لائحة التطليق لعام 1938 تضم أسبابًا متعددة للطلاق، مثل الأمراض المستعصية، والجنون، والسجن، وكانت مطبقة على نطاق واسع. الأنبا بولس، أسقف حلوان،الذي رسم أسقفا علي يد البابا كيرلس السادس استمر في تطبيق هذه اللائحة حتى أوقفه البابا شنودة، الذي اعتبرها مخالفة للإنجيل. الأمر الذي يثير خلط عجيب في داخل كل قبطي فكيف للقديس مثل البابا كيرلس يترك الاسقف يطبق اللائحة وهي ضد الانجيل كما فسر البابا شنودة فيما بعد ولكن بعد سنوات، اعترف البابا الحالي وبعض الأساقفة أن تفسير "لا طلاق إلا لعلة الزنا" كان خاصًا بالبابا شنودة! أليس من المدهش أن يستمر القبطي في حيرة وجدانية بين قرارات متناقضة تصدر عن قياداته الدينية؟
كم كانت حياتنا ستصبح أبسط وأقل صراعًا لو تبنينا قاعدة "التفسير ممنوع". شاركتكم هذا التأمل، فقط لأسمع تعليقاتكم حول هذه القاعدة الغريبة عنا تمامًا.
إفيه قبل الوداع
فتحت الجوابات لقيت المرسل إليه موسى وأنا اسمي موسى..
قريت مرة واتنين مفهمتش حاجة، بس حسيت إنها معلومات مهمة
(عبد الرحمن أبو زهرة لأحمد زكي في فيلم "أرض الخوف")
0 تعليق