أثارت الهوية البصرية الجديدة التي اعتمدها المجلس الجماعي لمدينة تيزنيت موجة من الانتقادات والنقاشات الحادة في أوساط الفاعلين المدنيين والثقافيين والسياسيين، إذ عبّر عدد من المتتبعين للشأن المحلي عن استيائهم من التصميم الذي رأوا فيه غيابا للعمق والرموز المرتبطة بخصوصيات المدينة الثقافية والتاريخية؛ مما فتح الباب أمام مطالب بإعادة النظر فيها واعتماد مقاربة أكثر شمولية وتشاركية تعكس روح المدينة وتاريخها الغني.
وفي سياق هذا الجدل، تستعد فعاليات مدنية بعاصمة الفضة لإطلاق عريضة استنكارية تعبر عن رفضها للهوية البصرية الحالية بهدف حشد دعم سكان المدينة والمهتمين بالمجال الثقافي والتاريخي، للضغط على المجلس الجماعي من أجل إعادة النظر في الشعار واعتماد هوية بصرية تعكس بشكل أفضل خصوصيات تيزنيت التاريخية والثقافية؛ فيما دافع المجلس عن اختياراته باعتبارها نتاجا لورشات تشاورية مع المجتمع المدني، معتبرا الانتقادات الموجهة إليها جزءا من تعدد القراءات الفنية والإبداعية.
افتقاد إلى العمق وغياب للوضوح
تعليقا على ذلك، قال عبد الله بوشطارت، دكتور في التاريخ والحضارة، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إن “ما نُشر كهوية بصرية جديدة لمدينة تزنيت لا يعكس، للأسف، الخصوصيات الثقافية والعمرانية والتاريخية لهذه المدينة التي تمتاز بفرادة ومميزات خاصة بها في العمران والصياغة الفضية والأشكال الثقافية والمنتوجات الجلدية وغيرها”.
وأضاف: “مع كامل الاحترام للذين أبدعوا هذا الوسم والرسم ليكون هوية بصرية جديدة لمدينة تيزنيت، وربما يكون لهم تصور آخر، لأن الفن والإبداع يحتمل قراءات متعددة؛ لكن يبدو لنا كما يبدو للجميع أن هذه الهوية البصرية تفتقد إلى العمق ولا تعبر بوضوح ولا حتى بشكل مُبطن عن أية هوية أو أية رمزية”، مشيرا إلى أن “الهوية البصرية يجب أن تتضمن ما يحيل إلى تزنيت أو إلى شيء منها؛ كالأسوار أو شرفات الأبواب أو الأقواس أو الحلي أو الرسوم التي تحملها المجوهرات الفضية أو أية علامة من علامات تيزنيت التاريخية الحاضرة التي تتطور باستمرار”.
وخلص الدكتور الباحث في التاريخ إلى أنه “إن كانت هناك إمكانية لتدارك وتغيير هذه الهوية، فأرى أنه من الأفضل تغييرها والانفتاح على الطاقات الشابة من أبناء تزنيت التي تعج بالمواهب في هذا المجال لإنتاج هوية بصرية جديدة تجمع بين ملامح المدينة وجمالية الصورة والرسم”.
في السياق ذاته، أفاد إبراهيم الكابوس، فاعل جمعوي بتيزنيت، بأن “الهوية البصرية الحالية التي أقرها المجلس الجماعي للمدينة غير واضحة المدلول ولا تعبر بالمطلق عن هوية تيزنيت التي تعد من بين المدن التاريخية التي تحمل إرثا غنيا من العمارة المغربية وتتوفر على رصيد ثقافي وحضاري مهم كان الأجدر أن يتم استغلاله من خلال الهوية البصرية لإبراز المدينة وزيادة إشعاعها على المستوى الوطني”.
سجل الفاعل الجمعوي ذاته، في تصريح لهسبريس، أن “الهوية البصرية لأية مدينة يجب بالضرورة أن تعكس موروثها الثقافي والتاريخي والاجتماعي وتعزز انتماء سكان المدينة إليها وزيادة فخرهم بهذا الموروث”، مشددا على أن “المنطق السليم يفرض إشراك مكونات النسيج المدني المحلي في التشاور حول هذه الهوية أو على الأقل تنظيم مسابقة مفتوحة أمام المواهب الشابة المحلية واختيار أفضل المشاريع، ومن ثم طرحها للتصويت الرقمي على صفحة الجماعة على مواقع التواصل الاجتماعي مثلما هو الحال في عدد من الجماعات الترابية”.
غياب مقاربة تشاركية
من جهته، قال نوح أعراب، عضو جماعة تيزنيت عن المعارضة الاتحادية، إن “المجلس الجماعي للمدينة غيّب تماما المقاربة التشاركية مع الهيئات والفعاليات المدنية والثقافية والسياسية في اعتماد الهوية البصرية الجديدة، والتي لا تعد ملكا لهذا المجلس أو ذاك؛ بل هي ملك للجميع، وآلية مهمة من آليات التسويق الترابي وتعزيز تنافسية المدينة وإبراز خصائصها متعددة الأبعاد، سواء الثقافية أو البيئية أو الاجتماعية أو الاقتصادية”.
وأوضح أعراب، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “المجلس طرح نقطة مشروع الهوية البصرية الجديدة للتداول ضمن أشغال الجلسة الثانية من الدورة العادية لشهر أكتوبر الماضي، وقدم خلالها مشروعا وحيدا؛ ما يدل على أن إقرار هذه الهوية البصرية التي أثارت الكثير من الجدل في صفوف الفعاليات المهتمة بالشأن المدني والثقافي بتيزنيت كان أمرا محسوما منذ البداية”.
وأضاف أن “المعارضة أثارت خلال هذه الجلسة لجوء المجلس إلى مقاربات انفرادية في إقرار مشروع من هذا النوع من المفترض أن يعبر عن هوية وثقافة مدينة تيزنيت، كما أثارت أيضا عدم احترام المجلس لمذكرة وزارة الداخلية رقم 67 بتاريخ 13 يونيو 2007 المتعلقة بالشعارات الخاصة بالجهات والعمالات والأقاليم والجماعات؛ وهو ما يثير تساؤلات حول ما إذا تم التشاور مع السلطات الإقليمية في هذا الصدد أم لم يتم ذلك”.
وأشار إلى أن “المجلس كان عليه أن يستغل فرصة استضافة المدينة للمنتدى السنوي للفعاليات المدنية والجمعوية، الذي ينطلق هذا الأسبوع، من أجل طرحه للنقاش العمومي وتنظيم ورشة تشاورية تجمع مختلف الفاعلين السياسيين والحقوقيين والمدنيين والثقافيين لإبداء رأيهم وتقديم مقترحاتهم في هذا الشأن؛ وهو ما لم يتم، للأسف الشديد”، معتبرا في الوقت ذاته أن “عدم إشراك فعاليات المجتمع المدني المحلي في تطوير الهوية البصرية لمدينتهم لا يحقق الأهداف التواصلية لهذه الهوية، ويساهم بشكل أو بآخر في فقدان الارتباط بها والتفاعل معها”.
تشاور اختيارات مدروسة
في ردها على هذا الموضوع، قالت وسيلة الشاطيبي، عضو المجلس الجماعي لتيزنيت، نائبة رئيس الجماعة المكلفة بالشؤون الثقافية والرياضية والشباب وتنشيط المدينة، إن “عملية تبني الهوية البصرية للمدينة تمت انطلاقا من مقاربة تشاركية مع فعاليات المجتمع المدني في إطار برنامج الجماعة المنفتحة، حيث نظم المجلس ورشة تشاورية موضوعاتية مفتوحة للعموم في الـ20 من شتنبر الماضي وأُعلن عنها قبل هذا التاريخ، كما حضرها عدد من الفاعلين الجمعويين الذين يهمهم الأمر وأبدوا آراءهم في هذا الشأن قبل أن تتم إحالة مشروع هذه الهوية على الدورة العادية للمجلس الذي صادق عليها”.
وأوضحت الشاطيبي، في حديث لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “اختيار شعار الهوية (اللوغو) تم بعد دراسة متأنية واستنادا إلى مقومات الهوية الثقافية والتاريخية لمدينة تيزنيت التي تعد مدينتها القديمة ركيزة مهمة من ركائز هويتها ورمزا من رموز خصوصيتها التي تستحق إبرازها وتسويقها، إذ تراهن الجماعة على استثمار هذا المخزون الثقافي الذي تزخر به المدينة العتيقة من أجل تعزيز جاذبية المدينة. وفي هذا الإطار، يأتي تبني هذه الهوية البصرية”.
وزادت شارحة: “شكل اللوغو يحيل على حدود المدينة القديمة مقسمة على أربعة أجزاء، كل واحد منها بلون مختلف، وتحيل هذه الأجزاء على الأحياء الأربعة المكونة للمدينة (إداوكفا، أيت محمد، إدزكري، إضلحا)؛ فيما يشير اللون البني إلى المدينة وأسوارها، والأزرق إلى العين الزرقاء الشهيرة، بينما يحيل اللون الترابي على مزارع (تاركا)”، مضيفة أن “الهوية تتضمن أيضا اسم المدينة باللغتين الدستوريتين في المغرب: العربية والأمازيغية، حيث تم اعتماد بعض حرف تيفيناغ على شكل (T) بما يحيل على نخلة شهيرة في تيزنيت”.
وشددت المتحدثة ذاتها على أن “الذين ينتقدون هذه الهوية البصرية الجديدة لم يكلفوا أنفسهم عناء البحث عن أسباب النزول المتعلقة باختيار الأشكال والألوان والكتابات، إذ كان من المنتظر ألا يخرج الشعار عن القوالب النمطية التي تبرز معلما من معالم المدينة؛ غير أننا اخترنا شعارا جامعا لكل مكونات التراث الثقافي والحضاري التيزنيتي”.
وتعليقا على انتقادات المعارضة، اعتبرت عضو المجلس الجماعي لتيزنيت نائبة رئيس الجماعة المكلفة بالشؤون الثقافية والرياضية والشباب وتنشيط المدينة أن “المعارضة تنظر إلى الأمور من زاويتها، ليس فقط في موضوع الهوية، وكذلك نفعل في الأغلبية حيث تختلف المرتكزات والمبادئ في تدبير الأمور وتسيير الشؤون العامة”.
0 تعليق