مناقشات غنية احتضنتها مختلف فضاءات “منتدى إفريقيا للاستثمار 2024 Africa Investment Forum”، المتواصل في ثاني أيامه بالعاصمة الرباط، صباح اليوم الخميس. وجرى التركيز ضمن أجندة المنتدى على مائدة مستديرة رفيعة المستوى حول “تعبئة التمويل من أجل تنمية المدن الإفريقية والتخطيط الحضري”؛ فيما تناولت مائدة مستديرة ثانية “زيادة تمويل البنية التحتية في إفريقيا من خلال الشراكات بين مؤسسات التمويل الإنمائي وشركات التأمين ووكالات ائتمان الصادرات”.
جاء هذا بعد انطلاقة رسمية للمنتدى، أمس، تحت عنوان “الاستفادة من الشراكات المبتكرة لأجل توسيع نطاقها”، بحضور أكثر من 500 من قادة الأعمال والشركات الصغيرة والمتوسطة لمناقشة فرص وتحديات جعل إفريقيا، التي تضم 39 في المائة من سكان العالم تحت 20 عاما، وسوقا يتوسع عدد مستهلكيها 2.5 مليارات مستهلك بحلول عام 2050، هيَ “المكان المناسب للاستثمار اليوم، وفي المستقبل”.
تمويل التنمية بحواضر إفريقيا
شهدت المائدة الأولى، التي استضافها ونظمها “بنك التنمية للجنوب الإفريقي (DBSA)” أحدُ المشاركين المؤسساتيين من أصل تسع مؤسسات تمويلية إنمائية أسستِ منتدى “AIF”، انتظامَ مناقشات المتحدثين في محوريْن رئيسيْن: الأول هـمّ الإجابة عن تساؤل “كيف يمكن استخدام أموال الصناديق الاستثمارية لدعم الخدمات الأساسية وتطوير مُدننا؟”؛ فيما سُلطت الأضواء من خلال محور ثانٍ على “كيفية وإمكانيات تعبئة رأس المال لمشاريع التمدن والتعمير في إفريقيا؟”.
متدخلون من دول إفريقية، أهمها نيجيريا وجنوب إفريقيا، بمن فيهم مديرو تنفيذيون لأبناك تنموية وشركات نشطة في التنمية الحضرية، أبرزوا “حتمية العمل على استدامة وتوفير أنظمة التمويل المناسبة حسب التطور العمراني والديمغرافي المتسارع في عدد من الحواضر الإفريقية”.
وضربت أبيمبولا أكيناجو، مديرة إحدى الشركات بنيجيريا، المثال بمدينة لاغوس التي تعد “مدينة تحتضن 22 مليون نسمة؛ غير أنها ما زالت تعاني ولوجيات بعض فئات الساكنة إلى خدمات النقل الحضري”، مشددة على أنه “حان وقت تقوية البنيات التحتية للنقل في المدن، كعامل أساسي للتنمية في أية مدينة مهما كان حجمها”.
بين الموارد والاستثمارات
من جهته، أكد موهان فيفيكاناندان، المدير التنفيذي لمجموعة بنك التنمية لجنوب إفريقيا، أن “مجالس المدن تقع على عاتقها مسؤولية كبيرة في التخطيط الحضري المستدام وتضمين مختلف الخدمات الحضرية في مخططات التهيئة والتعمير”، وزاد بأن “هذا ما يساعد ويحفز تعبئة رؤوس أموال ومستثمرين في مشاريع تعود بالنفع على الساكنة”.
“لمواجهة التحدي المتمثل في تضاعُف عدد سكان المناطق الحضرية في إفريقيا ثلاث مرات في السنوات الـ25 المقبلة، ستحتاج البلدان الإفريقية إلى استثمار حوالي 5,5 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي السنوي في تطوير مُدُنِها”، قال المسؤول المالي الإفريقي مستدلا بـ”تقرير البنك الإفريقي للتنمية لعام 2023، الذي شدد على أهمية الاستثمارات والسياسات للاستجابة للاتجاه الرئيسي للتوسع الحضري في القارة”.
وفق بيانات قدمها موهان فيفيكاناندان، خلال مداخلته أمام المشاركين، فإن “التمويل الحضري يستدعي من المدن الإفريقية ما لا يقل عن 25 مليار دولار سنويا لتمويل البنية التحتية، وهي لا تملك الموارد المتاحة لها”، مثمنا في السياق “النقاش الدائر حول كيفية إطلاق تلك الموارد من أجل التنمية للاستفادة من العائد الديموغرافي؛ بما في ذلك استخدام المزيد من تمويل المشاريع، وهياكل شراكات القطاع العام والخاص، للتمكن من تحرير تلك الفرص الاستثمارية”.
وحسب خلاصات المناقشة، التي تابعتها جريدة هسبريس، فإن مواكبة الاستثمارات للتوسع الحضري والتنمية بالمدن تتطلب، على وجه الخصوص، “قوة الرؤية/ التصورات، وخلق بيئات مواتية، وزيادة تدفقات الدخل إلى المدن وتحسين الاستقلالية المالية والملاءة المالية”؛ فيما جرى خلال المائدة المستديرة ذاتها استعراض “قصص نجاح من جميع أنحاء القارة وتحديد أفضل الممارسات في استراتيجيات النمو المستقبلية”.
الرأسمال والتعمير
في سياق غير بعيد، حاولت حلقة نقاش ثانية مقارَبة إشكالية “كيف يمكن جمع الرأسمال لتمويل مشاريع التعمير والتهيئة الحضرية في إفريقيا؟”. وعرفت حضور نزهة حيات، رئيسة الهيئة المغربية لسوق الرساميل (AMMC)، إلى جانب ثيرنو حبيب-هان، الرئيس التنفيذي ومدير بنك تنموي تابع لمؤسسة “Shelter Afrique” للإسكان، وعبد الرحمن ديالو، المدير الإداري لصندوق التضامن الإفريقي (FSA)، فضلا عن إريك غومبو، المدير المساعد لشركة تنشط في المجال العقاري من كينيا.
وأبرزت حيات، التي تقُود “دركي البورصة وسوق الرساميل” في المملكة، أدوار المؤسسة في “مواكبة وحماية المستثمرين لضمان نزاهة السوق”، وفق تعبيرها، مشددة على أنه “لا يمكن العمل على ذلك دون تمويلات خصوصا بالنسبة لأولويات حاسمة وكبرى؛ أهمها مشاريع البنيات التحتية.
وتابعت المتحدثة، خلال مشاركتها في المائدة المستديرة ذاتها: “نحن أعطَيْنا الأولوية للإطار التنظيمي وضبط سوق الرساميل”، مستدلة في سياق حديثها بتجربة “إصدار التزامات خضراء” في إطار تمويل مشاريع لجماعة مدينة أكادير.. كما عمِلْنا على تبادل التجارب والممارسات الفضلى مع منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وبلدان إفريقية عديدة في إطار التمويلات الخضراء المستدامة”، خالصة إلى أن “سوق الرساميل يجب أن تكون أكبر وأكثر قوة ومتانة لجعلها جاذبة لاستثمارات التهيئة الحضرية”.
كما أجمع باقي المتحدثين على أهمية تطوير “شراكات خاص-عام” (المعروفة اختصارا بـPPP)، بما يضمن “بيئة مناسبة لنمو رؤوس الأموال المواكبة لتنمية الحواضر والمدن مع تعزيز دور صناديق استثمارية في مشاريع الإسكان والسكن”.
جدير بالتذكير أن منتدى “Africa Investment Forum 2024” يلتئم على مدار ثلاثة أيام تحت شعار “الاستفادة من شراكات مبتكرة للارتقاء وتوسيع نطاقها”، ويسعى إلى أن يكون “منصة لا محيد عنها لفتح الطريق أمام استثمارات استراتيجية تدعم التحول الاقتصادي في إفريقيا، كما يوفر ولوجا مباشرا إلى فرص معاملات عبر القارة”، حسب منظميه.
0 تعليق