رغم القرارات الحاسمة التي أصدرتها وزارة التربية والتعليم في الفترة الأخيرة، فإن المدارس لا تزال تعاني من مشكلة عزوف طلاب الصف الثالث الإعدادي عن الحضور المدرسي، حيث بات الحضور في كثير من المدارس شكليًا أو شبه منعدم، ويزداد الوضع تعقيدًا بالتزامن مع قناعات أولياء الأمور بعدم جدوى الحضور المدرسي والاعتماد كليا على الدروس الخصوصية أو التعليم الموازي بالسناتر التي أصبحت البديل للطلاب لتحصيل مناهجهم الدراسية، مما يطرح تساؤلات حول جدوى الخطط الحكومية لضبط العملية التعليمية.
والتساؤل عن الموروث المعتقدي لدى أولياء الأمور بأن المدرسة لا تقدم تعليما يكتفي به الطالب دون اللجوء لغيره من مصادر أخرى.
لقد تحولت الدروس الخصوصية إلى خيار لا غنى عنه بالنسبة للطلاب وأولياء أمورهم في مراحل تعليمية حاسمة مثل الصف الثالث الإعدادي والثالث الثانوي، ويرى أولياء الأمور أن ضعف جودة التعليم داخل بعض المدارس يدفعهم لهذا الاتجاه، حيث يبحثون عن وسائل أكثر فاعلية لضمان التفوق الدراسي لأبنائهم.
وقد عولت وزارة التربية والتعليم على لائحة الانضباط المدرسي كأحد الحلول لضبط السلوكيات في المدارس، وتفعيل الحضور المدرسي لكن النتائج الحالية تشير إلى فجوة واضحة بين المأمول والواقع.
وظاهرة الغياب الجماعي أصبحت سمة بارزة في العديد من المدارس، والسلوكيات السلبية الغريبة على مجتمعنا مثل التعدي على المعلمين وعدم احترام القوانين المدرسية فهي تشكل تحديًا كبيرًا أمام انضباط العملية التعليمية وتقديم تعليم جيد يليق بالتعليم المصري.
ومن جانب آخر، تشكل الأعمال الورقية عبئًا كبيرًا على المعلمين، حيث يُطلب منهم أداء مهام عديدة من واجبات وأداءً يوميا وتقييمات أسبوعية واختبارات شهرية ومتابعة حضور الطلاب، بالإضافة إلى شرح الدروس وانضباط الصف الدراسي.
هذا الكم من الأعباء يهدد بتحويل المعلم من مُربٍّ ومُوجّه إلى موظف إداري، مما جعل من الشرح مهمة ثانوية، وهو ما ينعكس سلبًا على جودة التعليم.
وهنا نطرح تساؤلات مهمة
• كيف يمكن تعزيز الانضباط المدرسي في ظل استفحال ظاهرة الدروس الخصوصية؟
• هل تحتاج لائحة الانضباط إلى تعديلات جوهرية لتتناسب مع الوضع الحالي؟
• ما هي الآليات التي يمكن من خلالها تقليل الأعباء الإدارية على المعلمين ليتفرغوا لمهامهم الأساسية؟
الحقيقة يمكن تعزيز الرقابة وتطبيق العقوبات من خلال اعتماد نظام رقابي إلكتروني لرصد الحضور والانصراف وضبط سلوكيات الطلاب، ولتحسين جودة التعليم داخل المدارس، ولابد من التركيز على تدريب المعلمين وتوفير مصادر ثانوية تعليمية مبتكرة لتقليل اعتماد الطلاب على الدروس الخصوصية.. وتقليل الأعباء والمهام المطلوبة من المعلم، وتوجيه معظم وقته داخل الفصل الدراسي للشرح ومتابعة مستويات الطلاب ووضعه لخطط تراعى الفروق الفردية بين طلابه ما بين خطط للضعاف ورعاية للموهوبين والفائقين منهم.
وكذا مطلوب مراجعة اللائحة بشكل دوري، من خلال إشراك أطراف متعددة، مثل المعلمين وأولياء الأمور وخبراء التعليم، في صياغة لوائح أكثر مرونة وفعالية.
ولا ننسى في هذا السياق ضرورة إشراك العديد من المؤسسات المجتمعية مع وزارة التربية والتعليم في محاولات جادة لتعديل سلوكيات الطلاب في مراحلهم المختلفة من المساجد والكنائس والنوادي ومراكز الشباب والإعلام المسموع والمرئي التي يجب ان تسلط الضوء على أهمية دور المدرسة وأنها المكان الأول والأهم لتلقي العلم مع ضرورة احترام المعلم وتقديره أدبيا وماديا.
بهذه الإجراءات، يمكن أن تستعيد المدرسة دورها الأساسي كمؤسسة تعليمية وتربوية، بعيدًا عن القرارات الإدارية التي تعوق تقدم العملية التعليمية.
0 تعليق