إفيه يكتبه روبير الفارس: أكذوبة الجميل

البوابة نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

الحنين إلى الماضي شعور عميق ومتجذر، يحتفي بالذكريات ويخلد ما ومن رحل في المجمل، هو شعور طيب، ولكن وما أقسى  "لكن"، فلهذا الشعور جوانب مرضية حادة، ومظاهر تقديسية خيالية، ومثالية عبثية لا وجود لها.  

من ذلك الإفراط في إطلاق مسمى "الزمن الجميل" على كل ما هو ماضٍ، بل وإلحاق كل ما هو جميل بكل ما مضى، وما أكثر الصفحات على فيس بوك والمواقع الإلكترونية والكتب التي تحمل اسم "زمن الفن الجميل"، مُحتفية بكل تلك الأعمال والمراحل التي مضت، وهذا بالطبع أمر غير حقيقي، بل يمثل اختفاءً لحقائق  واحتفاءً وتقديرًا غير واقعي.  

هناك من يتشدق بمواقف لفنان رفض، مثلًا، كتابة اسمه قبل فنان آخر أقدم، معتبرًا أن هذه ظاهرة تُعبر عن أخلاقيات “الزمن الجميل”، بينما يتجاهل هؤلاء الحروب التي تعرض لها الفنانون والفنانات، والصراعات المتعددة والطعون، على سبيل المثال، كانت هناك مجلة باسم المسرح أساءت إلى أم كلثوم بقصص كاذبة لأن صاحبها كان من أنصار المطربة منيرة المهدية كذلك، كانت هناك عداوات تحتاج إلى مجلدات بين عبد الحليم حافظ وفريد الأطرش.  

أما على مستوى الأعمال الفنية، فهناك الكثير من الأعمال غير الجيدة، الساذجة، بل وأفلام عديدة تافهة جدًا وأغانٍ منحلة، وعلى مستوى المعارك الأدبية، نجد أمراض الوسط الثقافي من تكتلات ومجاملات ونتائج جوائز غير منصفة، فقد فازت قصة لقيطة أو ليلة غرام، للكاتب  محمد عبد الحليم عبد الله، بينما خسرت رواية السراب لنجيب محفوظ، كما استخدم الكاتب الكبير عباس العقاد في معاركه الأدبية ألفاظًا لا يمكن نشرها الآن.  

إذًا، إضفاء حالة من المثالية الزائفة على الماضي أمر عجيب، بل ويمتد هذا التوجه بجوانبه إلى نواحٍ أكثر ضررًا في العقل العربي، فهناك غلوّ عقلي لدى الجماعات الأصولية، حيث تقدّس فترات زمنية محددة بنُظم حكم دينية، مثل فترة الخلافة، باعتبارها أزهى وأفضل نظم للحكم، على الرغم من قتل عدد من الخلفاء والكثير من السلبيات الواضحة كالشمس، إلا أنهم يتجاهلون الحقائق الدامغة في سبيل فكرة "الحكم الجميل"، التي لا تبتعد كثيرًا عن "أيام الفن الجميل".  

وفي سياق مشابه، نجد إضفاء القداسة من جماعات "حماة الإيمان" على فترات زمنية قريبة لكنها مضت، مثل وصف فترة البابا الراحل باعتبارها “فترة ذهبية”، هذا على الرغم من وقوع حوادث طائفية مريرة وصلت إلى 167 حادثًا، إلى جانب مظالم واضطهاد عدد كبير من علماء الكنيسة، وانحدار مستوى التعليم اللاهوتي مقابل انتشار وعظ التأملات والقصص السطحية.  

إذًا، لا يوجد "زمن جميل" في حد ذاته، أو زمن كان فيه البشر كلهم ملائكة أبرار، ولا يمتلك الحنين مهما اشتد قدرة  على طمس الحقائق. فمنذ بدء الخليقة، يضم اليوم نهارًا وليلًا، نورًا وظلامًا، وسيظل الأمر هكذا دائمًا.  

 

إفيه قبل الوداع:
عايزين نرجع زي زمان
الإنسان هو الإنسان

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق