دار تساؤل بينى وبين نفسى بعد أن قرأت رواية الغواص للدكتورة ريم بسيوني والتى تدور حول حياة حجة الإسلام الإمام الغزالي والتساؤل هو لماذا بالغت بصورة كبيرة فى رسم سمات شخصيته فى صغره وإظهاره فى موقف بطولي خيالي؟
هى أرادت أن تتحدث عنه منذ أن كان عمره أربعة عشر عامًا فاختارت أن تبرز شجاعته فى مواجهه اللصوص بعد ان سرقوا حقيبتيه وجعلته يخترق الصحراء وينادي على كبير اللصوص «المعصري»، والذى ذكرته فى روايتها بأن هناك من ادَّعَوا اظهارا لبطشه وقسوته أنه يملك ثلاثًا من الأيادي وعينًا في رأسه كالغول، وأنه يقتل قبل أن يسأل، ويبتر قبل أن يرحم؟.
ولا يتصور حتى ولو تخيلا أن هذا الفتى الصغير يصمم على ذلك فى مواجهة قطاع طرق يقتلون بلا تردد فاضطرت من أجل هذا التصور أن تذكر فى المقدمة قول للإمام الغزالي بأن المنازل الرفيعة لا تُنال إلا باقتحام الأخطار وكأنها تبرر هذه المبالغة!.
ولم تكتف بهذا ولكنها جعلته غير آبه بالجرح الذى أحدثه له كبير اللصوص بعد أن حف كتفه بسيفه عندما قابله وجها لوجه وسردت بعد ذلك ما حدث استرسالا لخيالها حيث كتبت:
أمسك الفتى بكتفه والدماء تشغله عن الحقيبة وعن المستقبل.. عبس وجهه، وكأنه يحبس دموعًا تحرق الجوف.. فرد عليه كبير اللصوص:هذا جرح طفيف، لا تشغل بالك به.. من يعبر الصحراء لا بد أن يكون مستعدًّا لمواجهة الأسود.
والأغرب بعد ذلك هو ما قاله كبير اللصوص لهذا الفتى الصغير: سأعرض عليك لعبة.. فكان رد الفتى في حدة وهو يخفي الألم: أنا لست طفلًا، ولا ألعب.. لكنه لم يتوقف أضاف: ولكنها لعبة للكبار!
كانت اللعبة بينهما هو أن يسأله كبير اللصوص ثلاثة أسئلة وعليه أن يجيب بكلمة أو اثنتين لا أكثر، ولو كانت إجابته صحيحة على الأسئلة الثلاث، أعطاه الحقيبة، أما لو تعثر، أو تردد، أو زادت إجابته عن كلمتين، قتله!.. ووافق الفتى الصغير بلا تردد أو تفكير من أجل استرداد حقيبته!
وأنقل لك من الرواية الثلاثة أسئلة والإجابة عليها والتى أرادت الكاتبة بذكاء وبراعة أن تظهر نبوغ محمد الغزالي "حجة الإسلام بعدئذ" وهو فتى صغير وعمق تفكيره كانت الأسئلة:
- ما هو العضو الذي يُهلك الإنسان دومًا؛ اليد أم العقل أم الفرج؟.. قال للفتى في ثبات: اللسان!.
-وما هو العضو الذي لا يستريح، ولا ينام، ومنه يخرج كل العذاب؛ العقل أم النفس؟ فقال الفتى: القلب!
التقت أعينهما، فقال في حدة: وما أشد الأمور ألمًا على الإنسان؛ الفقد أم الفقر؟ فكان رد الفتى: مخالفة الهوى.
وقال كبير اللصوص فى فقرة أخرى بعد أن نظر إليه في غضب: تريد أن تدرس الفقه وتدعو الناس لترك الدنيا، وأنت تلهث لتمتلكها.. مثلك مثل كل الفقهاء، أعرفهم عن ظهر قلب.. فقد تعلمت على أيديهم مثلك لكنك تتكلم كأنك تبلغ ألف عام، وتثبت أمامي بلا خوف، لسانك لا يتلجلج، ولا يخرس مع أنني أستطيع ذبحك وأنت تعرف هذا.. فهذه ليست كلمات فتى في الرابعة عشرة.. كأنك ملك أو جان.
ثم سأله كبيراللصوص: لماذا لم تختر من الإجابات التي أعطيتها لك؟ كنت أعطيك الاختيار، فتشذ عنه، وتختار إجابة غير مألوفة.. فأجاب الفتى الصغير: لا توجد إجابات عن الأسئلة في المألوف، ولا يجدي التقليد مع طالب الحقيقة.
-وماذا يوجد في حقيبتك؟
-كل علمي، كل الأوراق التي جمعتها منذ كنت في السابعة، كل شيء.
-وكيف لكل شيء تملكه، وكل علمك أن يكون في حقيبة يسرقها لصوص؟!
نظر إليه الفتى الصغير برهة، ولم يجب. ها هو كبير اللصوص يهزمه حتى وهو يتقن الكلمات..
ثم قال للفتى: خذ حقيبتك، وارحل من أمامي قبل أن أقرر ذبحك.
وهكذا استرد الفتى الصغير حقيبته المسروقة!.
الأسبوع المقبل بإذن الله أكمل القراءة فى رواية الغواص.
0 تعليق