خبراء يبسطون رهانات وفرص الدولة الاجتماعية في الأقاليم الجنوبية

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

قال الأستاذ عبد العزيز قراقي، نائب عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي بالرباط، إن الدولة الاجتماعية في المغرب تستند إلى أسس تاريخية تعكس حرص الدولة على تحقيق العدالة الاجتماعية ورفاهية المواطنين، لافتا إلى أنه “رغم غياب هذا المفهوم في بعض الخطابات العامة إلا أنه يتجذر في السياسات الوطنية التي استهدفت تعزيز البعد الاجتماعي منذ الاستقلال، خاصة في برامج التعليم والصحة والإسكان”.

وأضاف الأستاذ الباحث في مداخلة له حول موضوع “مرتكزات الدولة الاجتماعية في المغرب”، خلال أشغال الندوة الوطنية التي احتضنتها المدرسة العليا للتكنولوجيا بالعيون، أن “عنصر التضامن يشكل ركيزة أساسية في بناء الدولة الاجتماعية المغربية”، مشيرا إلى أن “هذا التضامن متجذر في الهوية الثقافية الوطنية كما يبرُز في سلوك الأفراد والجماعات، خاصة في فترات الأزمات؛ ما يعكس وحدة المجتمع في مواجهة التحديات”.

ولفت قراقي الانتباه إلى أن “تمكين الاقتصاد وضمان حق الملكية من الأعمدة الرئيسية للدولة الاجتماعية”، مؤكدا أن “المغرب ركز على أهمية تمليك السكن للفئات الفقيرة والطبقة المتوسطة؛ وهو ما أسهم في دعم الاستقرار الاجتماعي وشجع الاستثمار”، وزاد: “هذا التوجه يعكس رؤية متكاملة لتعزيز التنمية المستدامة وتقليص الفوارق الاجتماعية”.

“ورغم كل هذه الإنجازات تواجه الدولة الاجتماعية تحديات كبيرة، أبرزها البطء في تنفيذ الإصلاحات الضرورية. ويعود هذا البطء إلى تعقيدات مؤسسية وهيكلية تعيق مسارات التنمية الحقيقية”، يسجل الأستاذ الباحث، قبل أن يضيف: “هناك حاجة ملحة الآن إلى تحديث الأنظمة والإجراءات الحكومية لتسريع وتيرة الإصلاحات الاجتماعية، وهو ما يستدعي تبني نماذج إصلاحية فعّالة تسهم في علاج الإشكاليات الحالية وتحقيق التنمية الحقيقية”.

وشدد عبد العزيز قراقي، في ختام مداخلته، على دور التعاون بين المؤسسات في تعزيز الدولة الاجتماعية، مشيرا إلى أن “ترسيخ هذا المفهوم يتطلب سياسات اجتماعية شاملة ونهجا مشتركا بين الفاعلين الرسميين وغير الرسميين، بما يعزز تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المتوازنة في عموم المملكة”.

مداخل الدولة الاجتماعية

من جهته أكد الأستاذ محمد الزهراوي، مدير مجلة المغرب الكبير للدراسات الجيوسياسية والدستورية، في مداخلته خلال أشغال الندوة الوطنية المنظمة بالأقاليم الجنوبية حول موضوع “رهان الدولة الاجتماعية وعلاقته بمجال الصحراء المغربية”، على ثلاثة مداخل أساسية لتحقيق هذا الهدف، بحيث تناول المدخل الأول ضرورة إعادة النظر في توزيع الأدوار بين الدولة والفاعلين الترابيين، مع اعتماد نمط إداري وترابي جديد يتناسب مع متطلبات بناء الدولة الاجتماعية، لتعزيز الفعالية في التدبير المحلي.

فيما ركز المدخل الثاني من المداخلة المعنونة بـ”دولة الجهات كمدخل لبناء الدولة الاجتماعية بالمغرب”، على أهمية تجميع البرامج والمخططات والسياسات الاجتماعية المتفرقة ضمن إستراتيجية وطنية موحدة، موضحا أن “هذه الإستراتيجية ستشكل قاعدة صلبة لبناء الدولة الاجتماعية، خاصة في الأقاليم الجنوبية؛ بما يضمن تكامل الجهود وتحقيق الأثر المطلوب على المستويين المحلي والوطني”.

أما المدخل الثالث فتمحور حول بناء تصور متكامل للدولة الاجتماعية من خلال وضع شروط أجرأة وتنزيل كافة البرامج الاجتماعية بشكل فعّال، بحيث شدد الأستاذ الزهراوي على أهمية “إدماج الفئات المهمشة التي لم تحظ بفرص المشاركة الفعلية في المنظومة الاقتصادية والاجتماعية، مع تعزيز الشعور بالأمان الاجتماعي لهذه الفئات كجزء من مشروع الدولة الاجتماعية”.

وخلص الزهراوي إلى أن “تحقيق الدولة الاجتماعية في المغرب يستدعي رؤية شمولية تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات الأقاليم الجنوبية، من خلال شراكة فعالة بين الدولة والفاعلين المحليين، وإستراتيجية موحدة تسهم في تقليص الفوارق الاجتماعية وتعزيز التماسك الاجتماعي”.

جامعة مستقلة

بدوره تناول الدكتور حميد الركيبي الإدريسي، مدير المدرسة العليا للتكنولوجيا بالعيون وعميد كلية العلوم الشرعية والكلية متعددة التخصصات بالسمارة سابقا، أهمية القطب الجامعي في الأقاليم الجنوبية في تجسيد الرؤية الملكية الرامية إلى تحقيق تنمية مستدامة ومتوازنة في مختلف مناطق المملكة، مبرزا أن “جهة العيون الساقية الحمراء تعد نموذجا حيويا لهذه الرؤية، حيث تم تجسيد التوجيهات الملكية من خلال تطوير مؤسسات جامعية مهمة مثل المدرسة العليا للتكنولوجيا، وكلية الطب والصيدلة، والكلية متعددة التخصصات بالسمارة”.

وسجل الركيبي الإدريسي أن هذا التطور المؤسساتي الجامعي يعكس التزام الدولة بتلبية احتياجات الأقاليم الجنوبية، إلا أن التحديات الراهنة تستدعي إحداث جامعة مستقلة في هذه المناطق، مؤكدا أن “إحداث جامعة مستقلة سيكون تجسيدا فعليا للرؤية الملكية في تعزيز العدالة المجالية، وسيشكل خطوة هامة نحو دعم التعليم العالي والبحث العلمي في الجهة، كما سيسهم المشروع في تعزيز مكانة الجهة كقطب معرفي وعلمي، وفي تسريع التنمية الاجتماعية والاقتصادية محليا ووطنيا”.

وشدد المسؤول الأكاديمي في مداخلته على أهمية ملاءمة التكوين الجامعي مع سوق العمل بما يتماشى مع احتياجات الجهة في القطاعات الحيوية، مثل الطاقات المتجددة، والتنمية البيئية، والصناعات البحرية، والهندسة المدنية والميكانيكية، خاتما بأن “البحث العلمي سيسهم في معالجة القضايا المحلية، مثل تدبير الموارد الطبيعية واستدامة الاقتصاد المحلي، ما يعزز التنمية المستدامة في المنطقة ويحقق تطلعات الرؤية الملكية في بناء نموذج تنموي جديد”.

الخيار السياسي

كمال الهشومي، أستاذ القانون الدستوري وعلم السياسة بكلية الحقوق أكدال، تناول هو الآخر موضوع “الدولة الاجتماعية كمنهاج للدولة الموحدة” من زاوية البعد السياسي، مشير إلى أن “الدولة الاجتماعية ليست مجرد نموذج اقتصادي أو اجتماعي، بل خيار سياسي يعكس التزام الدولة بمبادئ العدالة والمساواة”، ومؤكدا أن “هذا التوجه يشكل أداة إستراتيجية لتعزيز شرعية الدولة وتوطيد الروابط بين المركز والأقاليم، خصوصا الأقاليم الجنوبية ذات الخصوصية النموذجية”.

وشدد الهشومي على أهمية الدولة الاجتماعية في تعزيز الانتماء الوطني وتقوية الثقة بين الدولة والمواطنين، من خلال سياسات عمومية تهدف إلى تحقيق العدالة المجالية ومعالجة التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية، لافتا إلى أن “هذه السياسات ليست فقط وسيلة للتنمية، بل هي أيضا ركيزة أساسية لتدعيم الوحدة الوطنية، وتعزيز الاستقرار السياسي وآلية من آليات التكامل بين مختلف مكونات الدولة”.

كما سلطت مداخلة أستاذ القانون الدستوري وعلم السياسة الضوء على ضرورة تعزيز الديمقراطية التشاركية، من خلال إشراك السكان المحليين في اتخاذ القرارات المتعلقة بتدبير شؤونهم، موضحا أن “هذه المقاربة تساهم في ترسيخ التلاحم الوطني وتعزيز الشعور بالانتماء، ما يدعم الأقاليم الجنوبية كجزء لا يتجزأ من المشروع الوطني للدولة الموحدة”.

رهانات التنمية

من جانبه ركز الدكتور الحسين العويمر، أستاذ باحث بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بالعيون، على رهانات التنمية في الأقاليم الجنوبية في إطار النموذج التنموي الجديد، مسلطا الضوء على الإكراهات التي تواجه تنزيله وآفاق تحقيق التنمية الشاملة، وموضحا أن “جائحة كوفيد-19 كشفت هشاشة القطاعات الحيوية، كالصحة والتعليم والشغل، رغم الاستثمارات الكبيرة التي ضُخّت لتحسين هذه المجالات، وهو ما أعاد النقاش حول نجاعة السياسات التنموية ومدى تلبيتها انتظارات المواطنين”.

وتناولت محاضرة الدكتور العويمر التحديات التي تعترض التنمية في الأقاليم الجنوبية، فرغم المكتسبات التي تحققت منذ استرجاع هذه المناطق للحاضنة الأم مازالت تعاني من اختلالات مجالية واجتماعية تعرقل تحقيق الأهداف المنشودة، لافتا إلى أن “النموذج التنموي الجديد يواجه صعوبات في الحد من التفاوتات وإحداث دينامية تنموية قادرة على خلق الثروة وضمان مشاركة الشباب في المشاريع التنموية”.

وتطرق العويمر إلى دور القطاع الخاص في تنمية الأقاليم الجنوبية، وبين أنه رغم الجهود المبذولة لتحفيز الاستثمار مازال غير قادر على خلق فرص شغل كافية لدعم الاقتصاد المحلي، لافتا إلى أن “هذا القطاع يعاني من صعوبة في توفير التمويل للمقاولات الصغيرة والمتوسطة، بسبب القيود المفروضة من قبل المؤسسات المالية”، ومؤكدا أن “هناك حاجة ماسة إلى تعزيز دور القطاع الخاص في خلق فرص شغل حقيقية، عبر تبسيط المساطر الإدارية وتحفيز الاستثمارات”.

وفي ختام مداخلته دعا المتحدث ذاته إلى تبني نموذج جديد لدولة الرعاية الاجتماعية، يقوم على توزيع عادل للثروة ومعالجة جذور التفاوت بدلا من معالجة أعراضه، مشددا على أهمية تمكين الشباب وضمان مشاركتهم الفعلية في إعداد وتنفيذ المشاريع التنموية، مع تعزيز التماسك الاجتماعي كشرط أساسي لتحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة في الأقاليم الجنوبية.

العمق الاجتماعي

الدكتور سعيد بوفريوى، أستاذ القانون العام ورئيس شعبة القانون العام بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بقلعة السراغنة، تطرق بدوره إلى موضوع “المشاريع ذات البعد الاجتماعي في النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية ودورها في تنزيل الدولة الاجتماعية بالمغرب”، حيث سعى إلى تحليل العمق الاجتماعي للنموذج التنموي الخاص بالأقاليم الجنوبية للمملكة، مسلطا الضوء على ثلاثة محاور رئيسية: الوضعية الاجتماعية بالأقاليم الجنوبية قبل اعتماد هذا النموذج التنموي، المضمون الاجتماعي للنموذج الجديد، والحصيلة المحققة بعد تنزيله.

وأوضح بوفريوى، في هذا الصدد، أن “الوضعية الاجتماعية لهذه الأقاليم قبل تبني النموذج الجديد كانت تتسم بمجموعة من التحديات التي أثرت على مستوى المعيش اليومي للسكان، ما استدعى تدخلا إستراتيجيا لتصحيح هذه الأوضاع”، مركزا على إبراز المشاريع الاجتماعية الكبرى التي جاء بها النموذج التنموي الجديد، وتضمنت تعزيز البنية التحتية، وتحسين الخدمات الأساسية، ودعم فئات المجتمع المهمشة.

كما عدد المتدخل النتائج الإيجابية المحققة على مستوى التنمية الاجتماعية، مشيرا إلى أفق تحقيق الدولة الاجتماعية التي تضمن الكرامة والمساواة في هذه الأقاليم، كجزء من التوجه الوطني الشامل نحو تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة.

التجارب المقارنة

وحول موضوع أفق الدولة الاجتماعية من خلال التجارب المقارنة قال عبد الفتاح البلعمشي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض في مراكش، إن المغرب يحتاج إلى جهود أكبر في تعزيز البنية التشريعية والمؤسساتية المتعلقة بتحقيق طموح الدولة الاجتماعية، مشددا على ضرورة تحديث وتطوير الإطار التشريعي لمواكبة القواعد الدستورية ذات الصلة بالدولة الاجتماعية.

وفي هذا الإطار أكد رئيس مركز الدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات على أهمية توجيه الجهود لتعزيز المكتسبات الوطنية التي تم تحقيقها في مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، خاصة في ما يتعلق بالتغطية الصحية ومحاربة الفقر، وذلك من أجل تحقيق رفاهية شاملة لجميع المواطنين.

وعرض البلعمشي في مداخلته نماذج رائدة من دول مثل الدول الاسكندنافية وألمانيا، حيث تمكنت هذه الدول بحسبه من بناء منظومات اجتماعية ناجحة، مبرزا أن “هذه التجارب المقارنة تقدم دروسا قيمة للمغرب، حيث يمكن استلهام بعض السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تتسم بالعدالة الاجتماعية والاهتمام بتحقيق التوازن بين الحقوق والواجبات”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق