المصري: المغرب متسامح مع سوريا .. والتطبيع مع إسرائيل لا يضر الجزائر

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

قال فهد المصري، رئيس جبهة الإنقاذ الوطني في سوريا، إن المملكة المغربية كانت دائما متسامحة مع سوريا رغم إصرارها الدائم على ضرورة سحب دمشق اعترافها بالجبهة الانفصالية في تندوف، مشيرا إلى أن عدم إبداء الرباط تحفظها إزاء عودة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية خلال قمة جدة التي انعقدت في ماي من العام الماضي كان بالأساس بسبب وجود توجه عربي لإبعاد سوريا عن المحور الإيراني وفك ارتباطها العضوي بطهران.

الفاعل السياسي السوري ذاته، في حوار مع جريدة هسبريس الإلكترونية حول جذور التباعد بين المغرب وسوريا، والدور الإيراني في شمال إفريقيا وحقيقة دعمها العسكري لميليشيا البوليساريو؛ أشاد بمساندة المغرب نضالات السوريين من أجل الحرية، وبالمبادرات الإنسانية المتعددة التي أطلقها الملك محمد السادس لفائدة الشعب الشوري في سياق الأزمات التي عاشها بسبب الحرب.

في المقابل تساءل مُحاور هسبريس عن سر “العداء غير المفهوم” الذي يكنه النظام الجزائري للشعب السوري من خلال دعمه نظام بشار الأسد، مشيرا في الوقت ذاته إلى انكشاف الأدوار والمخططات التخريبية الإيرانية في إفريقيا، ودعمها البوليساريو التي دعا إلى وضعها ضمن قوائم الإرهاب العالمي، مشددا في الوقت ذاته على أنها لا تريد الحل السلمي للنزاع في الصحراء، ما يعطي المغرب حق الحسم العسكري لهذا الصراع.

واعتبر رئيس جبهة الإنقاذ الوطني في سوريا أن التطبيع المغربي الإسرائيلي لا يشكل أي خطر على الأمن القومي الجزائري عكس ما يدعيه نظام الجزائر، فيما اعتبر محاولات طهران لتطبيع العلاقات مع الرباط مجرد مناورة سياسية للالتفاف على العزلة والخسائر التي منيت بها في الشرق الأوسط، متوقعا في الوقت ذاته حدوث تحولات هامة في هذه المنطقة.

نص الحوار:

بداية بالعلاقات بين المغرب وسوريا التي لم تكن في تاريخها الحديث أبدا نموذجية، ما هي الأسباب المفسرة لهذا التباعد في نظرك؟ هل هي أسباب سياسية أم إيديولوجية أم أسباب أخرى؟.

العلاقات السورية ـ المغربية هي علاقات تمتد لآلاف السنين، ولها عمق حضاري طويل. وهناك شواهد على هذه العلاقة الحضارية والتاريخية، لكن للأسف، ومنذ عهد الشعارات الكاذبة والأوهام منذ الوحدة السورية المصرية، وصولا إلى ترسيخ العسكر حكمهم في سوريا وبروز حزب البعث وتسلم حافظ الأسد للسلطة، بدأت هذه العلاقات تصبح متوترة ومتأرجحة، نتيجة سياسات النظام السوري؛ مع الإشارة طبعا إلى أن هذا المستوى من العلاقة العدائية للمغرب في بعض الأحيان، التي كرسها الأسد، لا تمثل لا الشعب السوري ولا الدولة السورية الحقيقية، بل تمثل فقط هذه المجموعة الصغيرة التي سيطرت على السلطة في سوريا.

هذا التوتر ليس ناجماً عن تعارض في مصالح البلدين، وليس ناجماً عن اختلاف إيديولوجي، بل هو مرتبط أساساً بشخصية حافظ الأسد الذي أسس النظام السوري بصيغته الحالية المستمرة حتى الآن، فهو شخصية عدوانية ولئيم وبخيل وانعزالي وغدار، وهو ما انعكس على طبيعة علاقات سوريا بالعديد من الدول، ومن ضمنها المملكة المغربية.

شخصياً روى لي عبد الحليم خدام، نائب حافظ الأسد الذي كان حينها وزير الخارجية في السبعينيات، أنه سافر إلى المغرب والتقى جلالة الملك الحسن الثاني، وأبلغه أن المغرب سيرسل كتيبة التجريدة المغربية، وهم من خيرة الجنود المغاربة، لمساعدة سوريا في حرب الجولان عام 1973، وعاد خدام إلى دمشق ليُخبر الأسد الذي لم يصدق أن الحسن الثاني سيرسل جنودا لمساعدة السوريين. وبالفعل نفذ الملك المغربي وعده، غير أن حافظ الأسد رد هذا الجميل بالزج بالجنود المغاربة في الخطوط الأمامية للجبهة في الجولان ومنع عنهم الغطاء الجوي، ما أسفر عن استشهاد عشرات الجنود المغاربة. وهناك اليوم ما يزيد عن 170 جنديا مغربيا دفنوا في مقبرة الشهداء في دمشق. هذا هو حافظ الأسد.

العلاقات بين الرباط ودمشق مازالت مقطوعة منذ سنة 2012، غير أن المغرب لم يبد أي تحفظ على عودة سوريا إلى الجامعة العربية في قمة جدة، وصادق على بيانها الختامي، ما هي قراءتك لهذه الخطوة؟.

المغرب كان دائما متسامحاً مع سوريا رغم إصرار القيادة المغربية على ضرورة سحب النظام السوري اعترافه بما تسمى “الجمهورية الصحراوية”، فسوريا كانت من الدول العربية القليلة والنادرة التي قامت بدعم جبهة البوليساريو الإرهابية وساندتها في السبعينيات واعترفت بها في الثمانينيات، وهذا أحد الأسباب الرئيسية للتوتر في العلاقات بين الرباط ودمشق.

وسأسرد هنا واقعة لكي أثبت لك مدى خبث النظام في سوريا. خلال مرحلة التسعينيات كان النظام في عزلة إقليمية ودولية بسبب تفاقم مشاكله مع الدول العربية، خاصة دول الخليج، ورغم ذلك قام الملك الحسن الثاني رحمه الله في إطار زيارة إلى الشرق الأوسط بزيارة سوريا أيضاً؛ غير أن حافظ الأسد لم يذهب على غير عادته لاستقبال الضيف الكبير الذي حل بالبلاد، وأرسل وزيري الخارجية والدفاع للمطار، وقد فهم الملك الرسالة.

النظام السوري ناكر للجميل، أما الشعب السوري فيكن كل الاحترام والتقدير للقيادة المغربية والشعب المغربي على مساندة نضالات السوريين منذ بداية الثورة. ولن ننسى المواقف النبيلة لجلالة الملك محمد السادس حينما كان أول زعيم عربي يزور مخيمات اللاجئين السوريين في الأردن،

وأصدر أوامر بتشييد مستشفى ميداني عسكري لفائدتهم وغيرها من المبادرات الإنسانية الأخرى.
نحن نتطلع في سوريا الجديدة إلى إقامة علاقات إستراتيجية وشراكة متينة صلبة نموذجية مع المغرب، والاستفادة من تجربة الحكم الرشيد في المملكة وخبرات المغاربة في التنمية والإدارة.

هل أفهم من كلامك أن مباركة المغرب خطوة عودة الأسد إلى الحضن العربي كانت ربما على أمل أن تراجع سوريا موقفها علاقة بقضية الصحراء المغربية؟.

في الحقيقة كان هناك إجماع عربي أو لنقل محاولة من جانب الدول العربية لإبعاد سوريا عن المحور الإيراني وعن الارتباط بطهران، لكنها للأسف لم تدرك أن النظام السوري لا يمكنه الانسلاخ عن حليفه الإيراني، إذ إن هناك علاقة عضوية ما بين النظامين، فكلاهما عمودان ضمن مشروع تخريبي واحد، وسقوط أحدها يعني سقوط الآخر. لذلك لا يستطيع نظام الأسد الانفكاك عن نظام ولاية الفقيه. وقد اجتهدت الدول العربية ظناً منها أن بإمكانها أن تساعد الشعب السوري من خلال فصل الأسد عن المسار الإيراني، لكن حدث العكس تماماً، فبمجرد عودة الأسد من قمة العربية الإسلامية مؤخراً استقبل في دمشق وزير الخارجية الإيراني ووزير الدفاع ومستشار المرشد الإيراني، وأصبح أشد التصاقاً بإيران.

(مقاطعا)..لكن الأسد قال خلال قمة الرياض إن الدول العربية تتفهم طبيعة علاقات بلاده مع طهران.

صحيح، وهذا مجرد كلام. تخيل أن النظام السوري الغارق في دماء السوريين، الذي دمر سوريا وجعل أرضها مستباحة للإرهاب والجماعات الإرهابية، يلقي خطاباً أمام قادة الدول العربية والإسلامية، يحاضر في القيم والأخلاق رغم أنه لا يملك الحد الأدنى من هذه الأخلاق.

نمر الآن إلى إيران، حليفة دمشق، التي قيل إنها تبحث جاهدة لإيجاد موطأ قدم لها في القارة الإفريقية، ما هي حدود النفوذ الإيراني اليوم في القارة الإفريقية؟.

إيران تظن أن بإمكانها اختراق عشرات الدول في إفريقيا، سواء من خلال المسألة الدينية، أي نشر التشيع، أو من خلال شراء الذمم والولاءات وتوظيف بعض رجال الأعمال الذين يدينون لها بالولاء؛ وقد قامت باختراق بعض الدول في القارة الإفريقية. للأسف هناك على الأقل ثلاث دول في إفريقيا في طريقها إلى انكشاف الدور الإيراني فيها، وعلى رأسها الجزائر والصومال وجزر القمر، فتخيل أن الحرس الشخصي لرئيس جزر القمر هم من الحرس الثوري الإيراني، كما أن هناك وجوداً إيرانياً في ساحل العاج ونيجيريا وبعض الدول في غرب إفريقيا.

(مقاطعا)..لكن هناك من يقول إنه يتم تهويل طبيعة النفوذ الإيراني في إفريقيا ومحاولة شيطنة هذا البلد، إذ لا يمكن مقارنة هذا النفوذ بالنفوذ الصيني أو الروسي أو الأمريكي، أو حتى نفوذ بعض القوى الإقليمية كتركيا وإسرائيل، فلماذا كل هذا التوجس من إيران؟.

ليس هناك أبدا أي تهويل، بل العكس، إذ إن فالنفوذ الإيراني في إفريقيا ليس ناشئاً أو وليد اللحظة، بل يعود إلى بداية ما سميت “الثورة الإسلامية” في إيران. غير أن هذا النفوذ بدأ ينفضح ويتضح جلياً في بعض الدول، كالجزائر مثلا منذ مطلع العام 2015. وأنا شخصيا حذرت الجزائر من هذا، وللأسف فالنظام الجزائري بدروه متورط إلى جانب إيران في تقتيل الشعب السوري من خلال دعمه النظام وتزويده بوقود الطائرات لقصف المدنيين، في وقت فرض عليه المجتمع الدولي حصارا وعقوبات بسبب حربه ضد شعبه.

وفي الحقيقة لا نفهم سبب هذا العداء للشعب السوري من جانب النظام في الجزائر، كما لا نفهم سبب الالتصاق الجزائري بإيران من أجل استهداف الوحدة الترابية للمغرب. وكما قلت فقد حذرنا الجزائريين من الدور التخريبي الذي تمارسه طهران في الجزائر من خلال السفارة الإيرانية في الجزائر العاصمة، ومن خلال أمير موسوي، الضابط في الحرس الثوري الإيراني، الذي بنى شبكات في الجزائر وكان له دور أساسي في إرسال العديد من العناصر من جبهة البوليساريو للتدريب في إيران ولبنان وسوريا.

ما هي حقيقة الدعم العسكري الإيراني للبوليساريو؟.

إيران تقدم الدعم العسكري واللوجستي والتدريب لجبهة البوليساريو من خلال الجزائر، وهذا واقع مثبت. ونحن مرة أخرى لا نفهم لماذا يصر النظام الجزائري على الذهاب ببلاده نحو الهاوية من خلال الجلوس في حضن إيران، وما هي مصلحة الجزائر من وراء ذلك. والله ما دخلت إيران بلداً إلا وكان مصيره الخراب، ولذلك فإن المغرب فعل حسناً عندما قطع علاقاته معها، لأنه أيقن بأن هناك دعما وتوجها إيراني لدعم البوليساريو.

تحدثت أيضا في مقال أخير لك عن إرسال إيران عناصر من البوليساريو إلى سوريا، إذا كان هذا صحيحا فماذا يصمت المجتمع الدولي حيال ذلك؟.

على ما يبدو أن هناك أطرافا خارجية لا تريد الأمن والاستقرار للشرق الأوسط ولا لشمال إفريقيا، بل تريد عكس ذلك إشعال الأزمات في سائر المنطقة. وبالتأكيد قرار المغرب قطع العلاقات كان قرار صائباً وحكيماً، لكن للأسف لم تتخذ “جامعة الدول العربية” أي قرار يلزم الدول الأعضاء بقطع علاقتها مع طهران، رغم أن الأخيرة تحتل أربع عواصم عربية وفي طريقها لاحتلال الخامسة، وهي الجزائر، ومع ذلك يصمت العرب حيال ذلك وينادون في المقابل بمقاطعة إسرائيل.

وبخصوص البوليساريو هناك اليوم أكثر من 200 عنصر منها في جنوب سوريا، حيث تمتلك إيران عددا من الميليشيات التي تدربها وتسلحها تحت أنظار المجتمع الدولي والعربي. ولو لم يصمت العرب والمسلمون والعالم على الجرائم التي ترتكبها إيران وميليشياتها في سوريا منذ أكثر من 13 عاما، ولو قاموا حينها بإجراءات فاعلة، لما شهدنا التطورات الحالية في المشهد في الشرق الأوسط. ثم لماذا تم السماح ببناء حزب الله؟ وتم السماح بدخول إيران إلى سوريا؟ ولما تم السماح بدخول ميليشيات من البوليساريو ومن أفغانستان والعراق إلى الأراضي السورية؟ ولماذا يصمت المجتمع الدولي حول ممارسات تنظيم البوليساريو الإرهابي الذي يهدد الوحدة الترابية المغربية؟.

في هذا الصدد أقول إن المغرب استنفد جميع الفرص لحل مشكل الصحراء، لكن البوليساريو لا تريد أي حل سياسي، وأعتقد أنه من حق المملكة اليوم اتخاذ ما تبقى لديها من خيارات، وربما تكون عسكرية، من أجل القضاء على هذه المنظمة الإرهابية، وحينها لن يتمكن المجتمع الدولي من لومها. بالموازاة مع ذلك يجب أن يتحرك المجتمع الدولي من أجل تصنيف البوليساريو كجماعة إرهابية لأن تهديدها لم يعد يطال المغرب فقط، بل أصبح تهديدا إقليمياً جدياً وأحد الأذرع الإيرانية في شمال إفريقيا.

عكس المغرب، تبدو العلاقات بين إيران والجزائر اليوم في أحسن أحوالها، وهذه الأخيرة تتهم المغرب وإسرائيل اللذين طبعا علاقاتهما بمحاولة استهداف أمنها القومي، وتبني على هذا الأساس تحالفاتها بما في ذلك مع طهران، هل يشكل التطبيع المغربي الإسرائيلي في نظرك أي خطر على الجزائر؟.

المغرب بتحالفاته لا يشكل أي خطر على الأمن القومي الجزائري، فالمملكة المغربية دولة ذات سيادة من حقها إقامة علاقات دبلوماسية مع أي دولة، وإسرائيل دولة عضو في الأمم المتحدة ولديها علاقات دولية واسعة. وهناك حضور قوي لليهود المغاربة داخل إسرائيل وارتباط قوي مع بلدهم الأم، المغرب. ومن حق الرباط أن تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل بما يحقق مصالحها الإستراتيجية. وأؤكد هنا أن إيران هي التي تشكل الخطر على الجزائر وليس المغرب أو إسرائيل.

وجود علاقات دبلوماسية مغربية إسرائيلية يساعد على حل أزمات إقليمية بين إسرائيل والدول العربية الأخرى، ولربما عندما يكون هناك تغيير سياسي في الجزائر ستطلب من المغرب مساعدتها على التطبيع مع إسرائيل. ثم إن التطبيع المغربي الإسرائيلي حديث نسبياً، بينما الاختراق الإيراني للجزائر منذ سنوات طويلة. وأنا أقول إن على الجزائريين أن يخشوا ليس من إسرائيل، بل من إيران وجبهة البوليساريو، ومن تفجير الوضع من الداخل.

كسؤال أخير، تحدثت تقارير إعلامية مؤخرا عن وجود وساطة عربية لتطبيع العلاقات بين المغرب وإيران، هل تعتقد أن إيران جادة في مسعاها لإعادة العلاقات مع المغرب التي قطعت سنة 2018؟.

إيران تعيش أسوأ مراحلها، وبشكل خاص بعد القضاء على حزب الله، حليفها في لبنان. وقد هددت طهران يوماً بنقل الحرب إلى جنوب البحر الأبيض المتوسط وإغلاق مضيق جبل طارق؛ وعليه فإن الحديث عن وجود رغبة إيرانية لتطبيع العلاقات مع المغرب هو مجرد مناورة سياسية من إيران، لأنها تعيش أسوأ مراحلها. ومن المتوقع أن نشهد خلال الشهور القادمة تغيرات جوهرية كبيرة في الشرق الأوسط ستطال عدة دول في المنطقة، وفي مقدمتها إيران.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق