انتشرت ظاهرة تجارة وبيع الأطفال خلال الآونة الأخيرة من أجل جني المال في ظل موجة الغلاء التي تشهدها البلاد، في واحدة من أكثر الظواهر المرعبة والحديثة على المجتمع، في زمانٍ هانت فيه البراءة، وبات الطفل فيه سلعة تُباع وتُشترى من قِبل قلوب متحجرة لا تعرف الرحمة لها طريق، بدلًا من احتضانه في كنف والديه وعائلته والعيش في سلامٍ، ضاربة بكل معاني الإنسانية عُرض الحائط.
فمع تزايد موجة الغلاء وارتفاع الأسعار، دفعت الظروف المعيشية الصعبة البعض إلى التخلي عن كافة معاني الإنسانية واللجوء إلى عرض أبنائهم للبيع من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، ليتحول الأمر إلى ظاهرة تزداد انتشارًا يومًا بعد يوم حتى أصبح الطفل أشبه بالسلعة المعروضة يحصل عليها من يُقدّرُ ثمنها ويدفع أكثر.
“الذكر أغلى من الأنثى”.. عرض أطفال للتبني مقابل مبلغ مالي
ويُلقي موقع “الحرية” الضوء على تلك الظاهرة خاصة مع ظهور صفحات وجروبات عبر موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” للترويج لتجارة الأطفال تحت شعار “التبني” بمقابل مادي.
وعلى سبيل المثال وليس الحصر، تجرد أحد الأشخاص من مشاعر الأبوة والإنسانية، وعرض تبنِّي طفلة عبر أحد الجروبات بموقع “فيسبوك”، حديثة الولادة بمقابل مادي، حيث كتب: “طفلة حديثة الولادة للتبني بمقابل مادي حالتها الصحية جيدة جدًا، لون البشرة بيضاء، للتبني، التواصل خاص للجادين”.
بينما ذكرت سيدة عبر تعليق على أحد المنشورات: “أنا من مصر حامل في ولد في الشهر الـ 8 وداخلة في الـ 9 وقربت أولد محتاجة أسرة محترمة مش عندهم أطفال يتبنوه بمقابل مبلغ مالي”.
وفي فاجعة أخرى، كتب شخص آخر بذات الجروب: “لدينا جميع أنواع الأطفال وكافة الأعمار، من يوم حتى 10 أعوام، جميع الأطفال بصحة جيدة والحمد لله، والذكر سعره مرتفع عن الأنثى، للطلب الجاد التواصل الخاص، والله ولي التوفيق”.
ويعد ذلك جريمة إتجار بالبشر المؤثمة وفق أحكام قانون مكافحة الإتجار بالبشر، الصادر بالقانون رقم 64 لسنة 2010، والتي تصل عقوبتها إلى السجن المؤبد والغرامة التي لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تجاوز خمسمائة ألف جنيه.
ليس ذلك فقط، بل استغل البعض عاطفة الأزواج والزوجات الذين لم يُرزَقوا بأطفال للنص والاحتيال عليهم من خلال تلك الجروبات، واستغلالهم سعيًا لتحقيق “ريتش” عالٍ، كما اتخذ البعض الآخر ذلك الأمر على سبيل السخرية من أجل تحقيق “الريتش” و”التريند”، الأمر الذي يستدعي وقفة إنسانية وتحركٍ عاجل من قِبل الجهات المسؤولة المعنية لمواجهة تلك الظاهرة المفزعة التي باتت منتشرة داخل المجتمع وتهدد أمنه، والأسوأ هو تطور ذلك إلى ظهور وانتشار ظاهرة التجارة بهؤلاء الأطفال في بيع أعضائهم عبر مواقع “الديب ويب”.
حيث نشر أحد أشخاص مجهولي الهوية على جروب يحمل اسم “تبني طفل يتيم”: “اللي قدامه حاجة يعرض في التعليقات محتاجة 10 أطفال تجارة أعضاء”.
كما كتب شخص آخر مجهول الهوية: “يا جماعة أنا بتاجر في الأعضاء أي حد عنده طفل يكلمني بس الجد بس تمام الشغل مش عيب ربنا قال اسعى يا عبد ومعاك بفضل الله بشتري بأعلى سعر اللي عنده ولاد أو بنت يكلمني بس لا يقل عن سنتين”.
ردود فعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي
وجاءت ردود فعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي معبرة عن صدمتهم الكبيرة، فقد علقت إحدى الرواد قائلة: “دا بجد حقيقي؟ وإذا حقيقي دا فعلًا يعني الناس عادي بكل بساطة كدا بتتخلى عن ضناها مقابل الفلوس عادي كدا لا حول ولا قوة إلا بالله”، وكتبت أخرى: “ربنا يرحمنا برحمته يارب لا حول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم”، و عبرت أخرى عن استيائها الشديد من بيع الأهل لأطفالهم، قائلة: “ده حتى لو مش لاقين يأكلوه أو يصرفوا عليه مكنوش خلفوه من الأول أو اتجوزوا أصلًا”.
كما علقت البلوجر رانيا يحيى على تلك الظاهرة، ووصفها أنها: “منتهى القرف والتدني”، مضيفة أنها “لم تعد تستطيع التفرقة بين ما إذا كانت هذه الجروبات تم إنشاؤها من أجل الريتش، أم أنها حقيقية”.
ويذكر أنه في نوفمبر 2023، ألقت سلطات الأمن التونسية القبض على سيدة تلد لحساب الغير وتبيع أبنائها بمقابل مادي، وذلك وفقًا لقناة “نسمة” الخاصة.
وكانت تلك السيدة تبيع أطفالها أثناء ولادتهم بعد الاتفاق مع الأزواج المشترين، وتدخل باسم هوية السيدة التي تريد الطفل، حتى لا يتم الخضوع للإجراءات القانونية المفترض اتخاذها.
قرارات المجلس القومي للأمومة والطفولة بشأن واقعة التبني بمقابل مادي
ومن جانبها وجهت الدكتورة سحر السنباطي، رئيس المجلس القومي للطفولة والأمومة، أمس الإثنين، بإحالة واقعة عرض أطفال للتبنى بمقابل مادي إلى مكتب حماية الطفل والأشخاص ذوي الإعاقة والمسنين بمكتب المستشار النائب العام.
وأضحت “السنباطي” ، أن وحدة الرصد والتواصل الاجتماعي بالإدارة العامة لنجدة الطفل، رصدت “جروب” تم إنشاؤه على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” تحت مسمي “تبنِّي طفل يتيم”، وذلك لعرض الأطفال للتبني بمقابل مادي، مشيرة إلى أنه على الفور تم التوجيه باتخاذ الإجراءات اللازمة حيال الواقعة وإبلاغ الجهات المختصة لاتخاذ كافة الإجراءات القانونية.
ونوهت إلى أنه في هذا الصدد سبق للمجلس القومي للطفولة والأمومة رصد العديد من الوقائع المشابهة، وتم فحصها والتدخل بشأنها بإبلاغ النيابة العامة التي باشرت تحقيقاتها، وتم إنقاذ عدد كبير من الأطفال، لافتة إلى رصد عروض أخرى تبين أنها عروض وهمية بغرض النصب والاحتيال لاستغلال حاجة بعض الأسر التي لم تُرزق بأطفال.
وأشار صبرى عثمان، مدير عام الإدارة العامة لنجدة الطفل، إلى أن هذه الواقعة تشكل جريمة إتجار بالبشر المؤثمة وفق أحكام قانون مكافحة الإتجار بالبشر، الصادر بالقانون رقم 64 لسنة 2010، والتي تصل عقوبتها إلى السجن المؤبد والغرامة التي لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تجاوز خمسمائة ألف جنيه، كما تعد جريمة اعتداء على مبادئ وقيم أسرية في المجتمع المصري وفق حكم المادة 25 من القانون رقم 175 لسنة 2018 بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات، ومخالفة لحكم المادة 291 من قانون العقوبات فيما تضمنته من حظر المساس بحق الطفل في الحماية من الإتجار به أو الاستغلال الجنسي أو التجاري أو الاقتصادي.