في الذكرى الرابعة عشرة لثورة 25 يناير| عماد حمدي لـ «ساعة حرة»: المشاريع الإقليمية تهدد مصر.. وتماسك الجبهة الداخلية هو الحل الوحيد

في الذكرى الرابعة عشرة لثورة 25 يناير| عماد حمدي لـ «ساعة حرة»: المشاريع الإقليمية تهدد مصر.. وتماسك الجبهة الداخلية هو الحل الوحيد

أجرى الحوار: عصام الشريف

أعده للنشر: كيرلس سعيد _ عمر البدوي

أجرت «الحرية» حوارًا خاصًا مع الأستاذ عماد حمدي، الخبير الاستراتيجي والمحلل السياسي، تناول خلاله العديد من القضايا الساخنة التي تشغل الساحة السياسية والإقليمية في مصر والشرق الأوسط.

كشف حمدي في هذا اللقاء عن رؤيته لتأثير ثورة 25 يناير على الوضع الحالي في مصر، مشيرًا إلى التحديات التي واجهتها الثورة وكيفية انحراف مسارها بعد أحداث 30 يونيو.

كما تطرق إلى التهديدات الإقليمية التي تواجه مصر، من المشاريع التركية والإيرانية إلى التحديات الأمنية في سيناء وليبيا، مؤكدًا على أهمية تماسك الجبهة الداخلية لمواجهة هذه التحديات.

وعن تأثير الأزمات الإقليمية على مصر، تناول حمدي الوضع في فلسطين وسوريا والسودان، وتداعياته على الأمن القومي المصري.

كما تحدث عن دور الإصلاح السياسي في تحقيق الاستقرار الداخلي، وأوضح موقفه من ضرورة فتح المجال أمام المعارضة الوطنية لتعبر عن مطالب الشعب بحرية.

تطرق الحديث أيضًا إلى الأوضاع الداخلية، إذ انتقد حمدي بشدة غياب السياسة الفاعلة وموت العمل السياسي في مصر، كما تناول الحديث عن رؤيته لمواجهة التهديدات الخارجية والمخططات التي تستهدف إعادة تشكيل الشرق الأوسط.

وإلى نص الحوار:

كيف تري الوضع الحالي بمصر بعد 14 عامًا من ثورة يناير

ثورة 25 يناير كانت تعبيرًا عن حلم المصريين بالحرية والعدالة الاجتماعية، وتحقيق العيش الكريم، وإقامة دولة مدنيةحديثة.

كانت مصر مؤهلة لتحقيق هذا الحلم بفضل تاريخها العريق وموقعها الاستراتيجي، لكن الثورة واجهت ضربات متتالية أعاقت تحقيق أهدافها.

لقد كانت الشعارات التي رُفعت في ميدان التحرير تعكس طموحًا كبيرًا لنقل مصر إلى موقع القيادة الطبيعية في المنطقة، وهو ما أكدته الأحداث الإقليمية اللاحقة.

فلو نجحت الثورة في تحقيق أهدافها، لكان وضع مصر اليوم مختلفًا تمامًا، ولما شعرنا بنفس القدر من التهديدات في ظل اشتعال الجبهات الاستراتيجية من حولنا.

اليوم، نرى المشاريع الإقليمية، مثل المشروع التركي والإيراني، تتصاعد في المنطقة، مما يقلل من دور الدول العربية ويضعف موقفها. بعض هذه الدول يخشى حتى من وجود مصر القوية، التي تُعتبر أكبر دولة عربية وأكثرها تأثيرًا.

ومع اشتعال الحدود الشرقية، وتصاعد الأحداث في فلسطين وسوريا وليبيا والسودان، أصبح تجاهل هذه التطورات يمثل خطرًا جسيمًا على الأمن القومي المصري.


الفاعلون الإقليميون والدوليون يتدخلون في هذه الأزمات لتحقيق مصالحهم الخاصة، بينما يغيب دور مصر، وهو ما لا يتناسب مع مكانتها كقائدة طبيعية للأمة العربية.

ثورة يناير كانت تسعى إلى إعادة مصر إلى موقعها المركزي في قلب الأمة العربية، لكن الاستقلال الوطني تأثر بشدة بعد اتفاقيات مثل كامب ديفيد، مما أدى إلى تغييب مصر عن قضايا إقليمها. على الصعيد الداخلي، ظهرت مشاريع الإسلام السياسي، التي كانت تُدار من الخارج وتتقاطع مع مصالح القوى الإقليمية أكثر من تقاطعها مع المصلحة الوطنية المصرية.

هل تصدت مصر إلى هذا المشؤوع في 30 يونيو ؟

ما حدث في 30 يونيو كان بمثابة موجة تصحيحية لمسار ثورة 25 يناير، لكن هذا المسار انحرف بشكل كبير لاحقًا.

اليوم، نجد أن هناك أزمة كبيرة بين شركاء الثورة، وحل هذه الأزمة يقع على عاتق صاحب القرار، على السلطة الحالية أن تدرك أن خط الدفاع الأول ضد التهديدات الخارجية يكمن في تعزيز وترميم الجبهة الداخلية وضمان تماسكها.

فقط بجبهة داخلية قوية يمكن لمصر أن تواجه أي خطر خارجي، ولا نريد أن تتكرر في مصر تجارب مثل نموذج أبو محمد الجولاني في سوريا، أو أي نموذج مماثل في دولة عربية أخرى.

ظهرت مؤخرًا على وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع تدعو إلى خروج جديد في 25 يناير، فهل لهذه الدعوات أي علاقة بثورة يناير الحقيقية؟

لا.

هذه الجماعات تحاول تبرير فكرة التغيير عبر حمل السلاح، مستخدمة ما حدث في سوريا كنموذج يُحتذى به؛ لأن في حالة انسداد أبواب التغيير السلمي، قد تلجأ الشعوب إلى العنف، وهو ما يمثل خطرًا كبيرًا على الدولة.

مصر، بوصفها الجائزة الكبرى في المنطقة وصاحبة أقوى جيش عربي، قد تتعرض لاستهداف مباشر إذا ما تفاقمت هذه الأوضاع؛ إذ أن هناك مخططات تهدف إلى تفكيك وإعادة تركيب الشرق الأوسط، وهو ما أشار إليه الرئيس الأمريكي والقادة الغربيون تحت مسمى “الشرق الأوسط الجديد”.

هذه المخططات تتضمن تغيير الخريطة الجغرافية والسياسية للمنطقة، حيث تُهدد الحدود القطرية بالتغيير. وفقًا لتقديرات مراكز الأبحاث الاستراتيجية، فإن المرحلة القادمة ستشهد تغيرات جذرية تبدأ من الأردن والعراق وصولًا إلى مصر، حيث يُراد لدول الطوق حول إسرائيل أن تكون ضعيفة ولا تشكل أي تهديد لها.”

بعد أن تم احتواء إيران وحصرها داخل حدودها، وتلقيها وحلفائها ضربات عنيفة، ظهرت اتفاقيات ضمنية بين واشنطن وطهران. وفقًا لهذه الاتفاقيات، ستتوقف الهجمات على البرنامج النووي الإيراني مقابل قطع إيران لعلاقاتها مع حلفائها في المنطقة. نتيجة لذلك، وافق حزب الله على وقف إطلاق النار، ومن ثم سقط النظام السوري سريعًا؛ لأن السياسة لا تعرف الفراغات، وبسقوط المحور الشيعي، سيتم استبداله بمحور سني يحتاج إلى قيادة لا تعادي المخططات الأمريكية في المنطقة.

بعد الانسحاب التدريجي للولايات المتحدة من الشرق الأوسط، ظهرت قوى إقليمية جديدة مثل إيران وروسيا والصين، التي عززت وجودها عبر التبادل التجاري. ومع ذلك، تسعى الولايات المتحدة للعودة إلى المنطقة من خلال مبادرات تنموية، وعلى صعيد آخر تظهر مبادرة “الحزام والطريق” الصينية، التي تهدف إلى ربط طرق التجارة بين شرق آسيا وأوروبا. ردًا على ذلك، أطلقت الولايات المتحدة مبادرة تنموية تبدأ من الهند، مرورًا بالخليج، وصولًا إلى أوروبا. ولكي تنجح هذه المبادرة، تحتاج الولايات المتحدة إلى قائد إقليمي يدعمها في شرق آسيا.

القيادة الأنسب للولايات المتحدة في الشرق الأوسط هي إسرائيل. ولكي تصبح إسرائيل القوة الأقوى في المنطقة، يجب أن تتفكك إيران وحلفاؤها، بينما تُقيَّد الدول الكبرى الأخرى باتفاقيات ثنائية.

لتحقيق ذلك، يجب أن تكون الدول المحيطة بإسرائيل ضعيفة وبلا قوة عسكرية تُذكر. اتفاقيات السلام الإبراهيمية، التي تأثرت مؤقتًا بأحداث “طوفان الأقصى”، لم تكن بالضرورة الهدف النهائي للولايات المتحدة، لأنها تهدف إلى جعل إسرائيل قائدة للمنطقة بشكل سلمي وودي.

إسرائيل والولايات المتحدة والقوى الغربية تعمل على إجهاض نتائج “طوفان الأقصى”، وتصعيد الصراعات في سوريا ودول أخرى. مصر، بوصفها هدفًا استراتيجيًا، تواجه محاولات لخلق ذرائع تبرر التدخل الخارجي، مثل مخططات تهجير الفلسطينيين من غزة إلى سيناء، ومن الضفة الغربية إلى الأردن، مما يترك الأرض خالصة لإسرائيل.

حاليًا، تُستهدف الأردن أيضًا، خاصة بعد سقوط النظام السوري وقطع خطوط الإمداد من إيران إلى حزب الله. هناك خطط لتدخلات جديدة في الأردن، وقد نشهد عودة العمليات الإرهابية في سيناء كذريعة للتدخل الخارجي.

إسرائيل، تحت مبرر “حق الدفاع عن النفس”، قد تتدخل عسكريًا إذا توترت الأوضاع في سيناء مرة أخرى. هذا السيناريو لن يكون ممكنًا إذا كانت الجبهة الداخلية المصرية متماسكة وقوية.”

مالذي يممكن أن تفعله الدولة للحفاظ على الاستقرار والتماسك الداخلي؟

تماسك الدولة الداخلي لن يتحقق في ظل الأزمات الاقتصادية وغياب السياسة الفاعلة.

تماسك الدولة الداخلي ليس أمرًا سهلًا في ظل اشتعال الأزمات، خاصة بعد أحداث 30 يونيو، التي جاءت لتصحيح الانحراف الذي حدث بعد صعود جماعة الإخوان المسلمين.

الشعب المصري قادر على مواجهة أي تهديد، لكن على المسؤولين أن يدركوا أن مصر لن تنجو إلا بالوحدة الوطنية، التي تُسد من خلالها منافذ الاختراق الخارجي. يجب منع أي شعور لدى الشعب بأن التغيير الوحيد ممكن فقط عبر العنف.

السياسة في مصر تعاني من موت سريري منذ عشر سنوات، ولم يتم إحياؤها من خلال الأحزاب المصنوعة في مختبرات الأمن. هناك حاجة ماسة إلى معارضة حقيقية تعبر عن مشاكل الشعب ومطالبه بحرية.

حتى مع وجود اختلافات في التوجهات، يجب أن تظل جميع الأطراف وطنية ولا تنفذ أجندات خارجية. يجب فتح قنوات اتصال بين النخبة السياسية والجماهير، حتى يدرك الجميع أن التغيير السلمي هو السبيل الوحيد.

انسداد قنوات التغيير السياسي السلمي يزيد من خطورة اللجوء إلى العنف كوسيلة للتغيير. لذلك، يجب عدم تشريع استخدام العنف في التغيير السياسي، والعمل على إصلاح النظام السياسي ليكون أكثر شمولًا وتفاعلًا مع مطالب الشعب.

ما يميز ثورة 25 يناير هو سلميتها بالطبع، كانت سلمية الثورة هي أبرز ما ميزها، وأذهلت العالم بأن المصريين قادرون على التغيير دون اللجوء إلى العنف، على عكس ما حدث في دول أخرى من المنطقة. باستثناء مصر وتونس، لم تشهد دول عربية أخرى تغييرًا سلميًا بهذا الحجم.

هل يجب أن نلجأ إلى الإصلاح السياسي وفتح مساحات للأحزاب؟

الإصلاح السياسي ضرورة وطنية ملحة، خاصة في ظل التهديدات الإقليمية والمخططات الخارجية التي تستهدف مصر.

ليبيا أصبحت المنطقة البديلة لسوريا في نقل المقاتلين، وكان قرار مصر بمنع دخول السوريين قرارًا صائبًا لمواجهة المخططات الخارجية.

على السلطة السياسية أن تدرك أن تماسك الجبهة الداخلية هو واجب وطني لمواجهة الأخطار المحتملة. هذا التماسك لن يتحقق إلا من خلال حوار حقيقي وليس شكليًا.

العض يرى أن المعارضة ليست على قلب رجل واحد.. كيف ترى هذا الأمر؟

ليس مطلوبًا من المعارضة أن تكون على قلب رجل واحد، بل المطلوب هو أن تكون وطنية. الجميع يدرك التهديدات التي تواجه مصر، وجميع الأطراف مستعدة للاصطفاف الوطني في أوقات الأزمات. لكن هذا لن يحدث إذا استمرت السياسات القاسية ضد المعارضة، واستمرت الأحزاب المصنوعة في مختبرات الأمن.

الشعب المصري ذكي، ولن ينخدع بالمظاهر الديكورية. المطلوب هو فتح المجال للأصوات العاقلة التي تعبر عن مطالب الشعب بحرية، وتؤكد على أن العمل السياسي في مصر يجب أن يظل سلميًا ووطنيًا.

أي معارض وطني، بغض النظر عن درجة خلافه مع السلطة، يهدف في النهاية إلى خدمة الوطن والشعب. الجميع سيصطف وطنيًا عندما يكون الخطر قائمًا، والخطر الآن في أعلى درجاته.

الرابط المختصر https://alhorianews.com/3pse

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *