كتب: محمد مرزوق
يشهد مجلس النواب المصري، برئاسة المستشار الدكتور حنفي جبالي، لحظة تاريخية جديدة، حيث صدق المجلس خلال جلسته العامة على المادة (111) من مشروع قانون الإجراءات الجنائية.
تمثل المادة التي أثارت جدلاً واسعاً داخل أروقة البرلمان وخارجه علامة فارقة في مسار العدالة الجنائية بمصر، إذ تهدف إلى إحكام الرقابة على إجراءات استجواب النيابة العامة للمتهمين المقبوض عليهم، مع التأكيد على صيانة حقوقهم القانونية وضمانات الدفاع في كل مراحل التحقيق.
التاريخ سيحكم إن كان هذا الإنجاز مجرد نصوصٍ على ورق، أم أنه تحول جذري في مسيرة العدالة الجنائية بمصر.
المادة 111: بوابة لإعادة صياغة العدالة الجنائية
تنص المادة (111) على أنه “يتعين على عضو النيابة العامة استجواب المتهم المقبوض عليه فوراً، وفي حال تعذر ذلك يُودع المتهم أحد مراكز الإصلاح والتأهيل أو أماكن الاحتجاز إلى حين استجوابه، على أن تكون مدة الإيداع محددة بأربع وعشرين ساعة فقط. في حالة تجاوز هذه المدة، يكون على المسؤول عن مركز الإصلاح والتأهيل إحالة المتهم فوراً إلى النيابة العامة لاستجوابه أو الإفراج عنه دون تأخير.
وجاءت هذه المادة محملة بعبارات دقيقة وصياغة مُحكمة، خصوصاً بعد إدخال تعديل رئيسي اقترحه النائب إيهاب الطماوي، رئيس لجنة إعداد مشروع القانون، بإضافة نص يُلزم بتوفير محامٍ للمتهم في القضايا الجنائية والجنح المعاقب عليها بالحبس الوجوبي، مما يعزز من ضمانات المحاكمة العادلة ويؤكد احترام الدستور.
خلفيات التعديل: جدل تحت قبة البرلمان
كان المستشار عدنان فنجري، وزير العدل، قد طرح مقترحاً مثيراً للجدل أثناء مناقشة المادة (104) من القانون، طالب فيه بالسماح للنيابة العامة باستجواب المتهم في حال تعذر حضور المحامي الموكل أو المنتدب. غير أن مجلس النواب رفض المقترح بحسم، مشيراً إلى أن أي معالجة قانونية لهذا التعذر يجب أن تكون متوافقة تماماً مع النصوص الدستورية.
وفي هذا السياق جاءت المادة (111) لتسد هذه الفجوة التشريعية. وأكد النائب إيهاب الطماوي أن الإضافة الجديدة تعكس التزام المجلس بحماية حقوق المتهمين، مشيراً إلى أن ضمان وجود المحامي أثناء التحقيق هو جزء لا يتجزأ من العدالة الجنائية الحديثة.
موقف الحكومة والنقابات المهنية
حظيت الصياغة المعدلة بموافقة الحكومة، حيث أيدها كل من وزير العدل عدنان فنجري ووزير الشؤون القانونية محمود فوزي. وفي الوقت ذاته أبدى نقيب المحامين، عبد الحليم علام، تحفظات محدودة على الصياغة، مشيراً إلى ضرورة الفصل بين الفقرتين الأولى والثانية من المادة. وأوضح أن تعذر حضور المحامي ليس دائماً مرتبطاً بظروف المتهم، بل قد يكون نتيجة لظروف خارجة عن إرادته، مما يستدعي المزيد من النقاش.
قراءة نقدية وتحليلية
وأكد العديد من القانونيين أن إقرار المادة (111) يعكس التوجه الإصلاحي الذي يتبناه البرلمان المصري في تحديث منظومة العدالة الجنائية. ويبرز ذلك في النصوص التي تفرض قيوداً صارمة على مدة احتجاز المتهم دون استجواب، الأمر الذي يعزز من احترام حقوق الإنسان ويمنع أي تجاوزات محتملة أثناء فترة التحقيق.
ومع ذلك تبقى هناك تحديات عملية يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، أبرزها توفير الموارد اللازمة لضمان سرعة حضور المحامين، وتطوير البنية التحتية لمراكز الإصلاح والتأهيل بما يتيح تنفيذ المادة بفاعلية.
نهاية مفتوحة لرحلة العدالة
بإقرار المادة (111) يُثبت مجلس النواب المصري مرة أخرى قدرته على تحقيق توازن دقيق بين النصوص الدستورية ومتطلبات الواقع. ومع ذلك، تبقى المسؤولية الأكبر على عاتق الجهات التنفيذية والقضائية لضمان التطبيق الأمثل لهذه النصوص، بما يخدم العدالة ويصون حقوق جميع الأطراف.
وفي ظل الدعم الحكومي والرقابة البرلمانية، يفتح القانون الجديد نافذة أمل لمستقبل أكثر عدالة وإنصافاً في مصر، حيث يُمكن أن تصبح هذه المادة نموذجاً يحتذى به في المنطقة العربية لتعزيز ضمانات المحاكمة العادلة.